تحنيط اللغة وتصنيم مستوى بعينه منها ـ وهي الفكر منطوقاً كما اتفقنا ـ اضطر العقل العربي للازدواجية، إذ يفكر بمستوى لغوي منسجم مع معطيات عصره، ويعبر بمستوى آخر لا صلة لحياته به؛ حتى غدا الإنسان العربي كائناً عجيباً: رأسه في الماضي وبقية أعضائه في الحاضر، والرأس حجري ثقيل وبقية الأعضاء لا تستطيع جره ويستحيل أن ترجع إليه! ولا تسأل عن المستقبل والمسافة بينهما تتجاوز ألف سنة، ولا تزيد إلا مكانك "حافز"!
وإذا ضربت الازدواجية في المسافة حصلت على مقدار النفاق الذي مرد عليه هذا العقل! والنفاق يعني بالضرورة الخوف والتخوف والتخويف منذ وجد الفلسفة "اسم الله علينا" محرمةً في كل زمانه ومكانه وزمكانه ومكزانه؛ فاضطر للتقية التي تمكنه من ممارسة غريزة التفكير ـ أم الغرائز كما قلنا مراراتٍ مفرتكةً عديدة ـ دون أن يدفع ضريبة كالتي دفعها العقل الأوروبي! ولم تكن هذه التقية إلا النحو والصرف والعروض والبلاغة!
افتح أي كتاب في النحو واحسب كم قيل في (حتى) حتى مات أحدهم وفي نفسه شيءٌ من حتى! وافتح باب الصرف وحاول أن تحسم وزن جمع "شيء"؟ وتأمل الدائرة العروضية الخليلية الأحمدية وتخيل كم يمكن أن يتولد منها من لحن موسيقى "اسم الله علينا" برضو؟ وتصفح البلاغة منذ "تركتها ترعى الهعخع" إلى فنون التدوير والتربيع والتخميس والتسميط و"التفحيط"! كل هذا الإرث الهائل الذي يملأ المسافة بين الرأس وبقية الأعضاء هو فلسفة عميقة تزخر بكل ما تعاطاه العقل الأوروبي، يلخصها بكثافة تفقدك التوازن كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف" للزميل/ "ابن الأنباري" منذ السطور الأولى حيث يتساءل: هل "الاسم" مشتق من "السمو" أم من "الوسم"؟ والسمو معنى مثالي، والوسم مادي، و... "يامطرة حطي حطي"!!
إذن: فما الذي جعل الغرب يتقدم والشرق يتقهقر؟ ما الذي جعل "ديكاغت" ينجح وتلميذه طه حسين "يتطحسن"؟
إنه ليس إلا الفرق بين عقلٍ سار حسب فطرة الله تعالى له ففكر وقدر ونقد واستنقد وأصاب وأخطأ وقدم التضحيات ودفع الثمن في الهواء الطلق، وفي وضح النهار، وعقلٍ ارتكس وانتكس بالتفكير إلى "عادةٍ سرية" يمارسها خائفاً وجلاً، إن لم توجد الفزاعات المخيفة فعلاً فهو يبادر لتخيلها، ويستميت في بث الذعر منها، وآخرها فزاعة "العامية"! فالفيروسات العجيبة تتفشى عندنا لأن الأطباء يتحدثون بالعامية، ولهذا لابد أن نرسل العينات هناااااك بعييييد لتعود إلينا بـ"الهولندية" الفصحى ويترجمها الزميل"ريكارد"! (هناك من سيظنه الزميل/ "ديكاغت")!
وجدتي "حمدة" تقود سيارتها "دوج حمر والرفارف سود"، وإذا اقتربت حفيدتها من "الطارة" تسابقت الأصوات تنهرها: "ياويلك.. ترى تطلع لك "العامية"!
وقد أفتى سماحة المفتي بعدم جواز مضاعفة غلة "ساهر" من المخالفات، فهل يعاد النظر فيها سريعاً؟ نعم نعم؟ سريعاً؟ أعانك الله على مخالفة "عامية" جديدة!!