كل بيت في أرجاء البلاد زاره سليمان العيسى، وفي كل ركن وزاوية من البيوت أطل عليها سليمان العيسى، تاريخ ليس في مدرسته الإعلامية الوطنية الصادقة فحسب؛ بل في إطلالته على الناس التي جعلتهم يشعرون أنه دائماً واحد منهم.

سليمان العيسي أحد أهم أعمدة الإعلام السعودي, وهو من تربى على صوته أجيال، وكان من أوائل من تبنى برامج جماهيرية تلمس هموم الناس منذ سنوات، كان يذهب للجماهير في طوابير المراجعات ويواجه بها المسؤول في برنامجه الشهير (مع الناس) قبل ظهور برامج "التوك شو" في القنوات الخاصة، وكأنه مدرسة سابقة لما نراه الآن من برامج تعنى بهموم المواطن، والتي كان له السبق فيها، وكأنه ـ رحمه الله ـ وقع مع جماهير المشاهدين عقدا مدى حياته أن يبقى معهم، فكان مثالا في الوفاء لجماهيره ولوطنه ومليكه بكل إخلاص.

شارك في الصحف المحلية سواء في الجزيرة أو في عكاظ، وكانت بوابته الصحفية أيضا كلها هموما للوطن وبالوطن، غاب وجه سليمان العيسى بعد قصة عطاء طويلة في التلفزيون السعودي كقارئ للأخبار، ومقدم للبرامج، ومن ثم مقدما للفقرات الرسمية التي ارتبطت معظم الأوامر الملكية بظهوره، وكسب ألفة مع المشاهدين وشعروا به كواحد منهم. سليمان العيسى ـ رحمه الله ـ يحب السعي في الخير وله مواقف إنسانية كثيرة، لكنه الموت الذي ليس منه بد، ذهب أبو محمد ـ رحمه الله ـ إلى حيث كلنا ذاهبون. الكل فوجئ بخبر وفاته، وكأننا نغفل أحيانا، لكن هذه هي سنة الحياة "كل ابن أنثى وإن طالت سلامته/ يوما على آلة حدباء محمول". نسأل الله لأم محمد الأستاذة الدكتورة مي العيسى زوجته ولأولاده الصبر، والأمل يتجدد في شبابنا من الإعلاميين أن يحذوا حذو هذا الفقيد، وغيره من أبناء الوطن المخلصين الذين عملوا بصدق ووفاء وكانوا مثال المثابرة. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

إن نعي زميل حرف ومسيرة عطاء حافل صعب جداً، فهو يمثل جيلا كاملا من إعلاميي هذا الوطن الذين تتلمذوا على حب وطنهم، وهذه أوضح ميزات الفقيد أنه مواطن جداً، والمواطنة الحقيقية شيء لا يوصف، ومن أغلى من الوطن؟ إعلامنا حزين لفقدانه ونتمنى أن نرى تقريرا من التلفزيون السعودي به ومضات من عطاء الفقيد كتكريم لمسيرة العطاء الطويلة ومثابرته وإصراره على العمل الصادق. هذا الغياب القسري الذي لا يد للإنسان فيه سوى رجاء رحمة الله لنا وله. والحمد لله على كل حال.