خمس دقائق، هي كلّ المدة الزمنية، لفيلم (عمّار بوقس)، وهو الفيلم الذي ملأ الدنيا وأشغل الناس، ولخبط كل أرقام الـ"يوتيوب"، وتجاوز المليون مُشاهدة في فترة بسيطة.
أبداً، ليست أهمية فيلم عمار بوقس، في كونه تناول شخصية مُعاق، وُلد بجسم لا يتحرك فيه إلا عينان ولسان وعقل آدمي، وليست الأرقام الضخمة التي حققها من المتابعين، لمجرد تعاطف إنساني من الناس مع حالة معاق. الذي جعل لفيلم عمار بوقس، ذي الدقائق الخمس، هذه الشعبية الجارفة، وهذه الأهميّة البالغة، هو أنه كشف مجتمعا كاملا وقام بتعريته فكرياً أمام نفسه.
فيلم عمّار بوقس، ليس مجرد حالة إنسانية، فهناك عشرات الآلاف من المُعاقين مثله، لكنه حالة مجتمع فُزع من وجهه عندما رآه في المرآة بهذا الشكل المُفزع.
الفيلم يتناول فكر المجتمع في تعامله مع المُعاق، والصبر الأيّوبي الذي لدى المعاق في مواجهة فكر مجتمع ينظر إلى المُعاق على أنه شيء، لا أهمية له في الحياة، أو بتعبير أدق: من سقطْ المتاع.
مشهد عمار بوقس، وهو يُمنع من دخول قاعة المحاضرة الجامعية، بواسطة أستاذ جامعي، لأنه تأخر قليلاً على المحاضرة، هو شاهد على ضمير مجتمع ميّت، ومشاهد أخرى تحدث عنها عمار نفسه في الفيلم، مثل نظرة المجتمع الدونية للمعاق، والبيروقراطية الإدارية والخدمية في المجتمع التي لا تفرق بين معاق وسليم.
الفيلم القصير هذا هو إدانة صريحة ومباشر للاإنساني، مقابل الإنساني، وقلب غير متوقع لمعادلة القوة والضعف، قوة يمثلها مجتمع وظهرت ضعفاً، وضعفاً يمثله عمّار وظهر قوة.
إخراج رائع للمخرج السعودي بدر الحمود، رغم صعوبة وتعقيد إخراج الأفلام القصيرة، التي تقول عددا كبيرا من الأشياء في أقصر مدة زمنية.
الذي زاد من جمال الفيلم، أن بطله ليس خيالياً، ولا مصنوعاً على ورق النص السينمائي، وإنما هو بطل حقيقي، باسمه الحقيقي، وبحياته الحقيقية.