عذرا لعودتي للموضوع وفتحه من جديد، ولكنه ملف شائك، كلما اعتقدت بأننا تحركنا ولو قليلا نحو إيجاد بعض الحلول التي قد تقضي على الظاهرة، أو على الأقل التخفيف من وطأة الفجيعة والآثار النفسية على الضحية، تلفت حولي لأجد أننا ما زلنا نحبو مقارنة بما تتعرض له الكثير من النساء في الظل! والأمر ليس حكرا علينا، بل إنها ظاهرة عالمية تنهش نواة كل المجتمعات عربية كانت أم أجنبية، ولكن هذا ليس حجة لنا بل علينا، لأننا من دين المحبة والسماحة والعطاء. ماذا نستطيع أن نسميه؟ حب بالإكراه أم تحكم.. لا يوجد فرق لأنهما وجهان لعملة واحدة تسك في بنك العنف الأسري.
إن إساءة معاملة الزوجة أو ضربها من أكثر الجرائم حدوثا وأقلها تبليغا. قد يستغرب البعض لماذا أسميها جريمة ولكن أليس التعدي على حقوق أو ممتلكات الغير جريمة؟ أليس جسد المرأة وعقلها من ممتلكاتها؟ فلم الاستغراب إذن؟ هل يرضى أي كان أن يعيش في جو من التوتر والخوف لا يعلم إلى متى وأين ولأي سبب سوف يكون المتلقي لانفجارات الغضب والإهانة والتحقير والتذليل؟ بالطبع لا.. ولكن دعونا ولو لمرة نعش لحظات التعاسة التي تعانيها المرأة التي تعيش في مثل هذا الجو، لنغمض أعيننا ونتخيل، لا لن نستطيع فنحن نعرف أنه مجرد خيال وسنفتح أعيننا ونعود إلى الأمان الذي نحياه وهي تعرف أنه لا أمان لها!
إن العنف الأسري لا يفرق بين ربة منزل أو معلمة، طبيبة أو سيدة أعمال، فقيرة أو غنية، صغيرة أو كبيرة، إن الزوج المعتدي قد يكون طبيبا أو مهندسا أو رجل أعمال محترما من أقرانه ومجتمعه! أنا لا ألغي وجود اعتداء من جانب بعض الزوجات ولكن الحالات قليلة بالنسبة لعدد حالات الاعتداء من قبل الأزواج. ولا ننسى هنا أن معظم الإحصائيات تشير إلى أن عدد الرجال يفوق عدد النساء في جميع أنواع الجرائم خصوصا القتل والاعتداء. فالصفات التي تحدد شخصية المعتدي حسب "سام فاكنن" هي أن المعتدي يستغل، يكذب، يهين، يحقر، يتجاهل، يتلاعب بالمشاعر ويتحكم بالآخرين، أو يقوم بمعاملة الآخر كجزء من الممتلكات أو كأداة للاستمتاع فقط.
يقال إن من الحب ما قتل وهذا ينطبق تماما على حالات الحب التي تصل إلى حد التملك والتحكم لدرجة فصل من تحب عن العالم الخارجي. أما الأنواع فهنالك الاعتداء الجسدي والنفسي واللفظي والجنسي. تقول "فاطمة خلدون" إن الزوج المعتدي كثيرا ما يستخدم الإسلام لتبرير جريمته، وهذا لبعده عن روح الإسلام وجهله بشرع الله سبحانه وتعالى، فلقد خصص الله سبحانه وتعالى سورة بأكملها للنساء ليبين حقوقهن وواجباتهن ويرفع أي ظلم أو تعد عليهن. والمحزن حقا أن يستخلص البعض من الآية التالية في سورة النساء الرخصة لضرب النساء: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليما كبيرا". فلو تمعنا في الآية الكريمة نجد أنها تقدم العلاج للعنف الأسري، فإن الله سبحانه وتعالى خبير بعباده. إذن متى يصبح اعتداء؟ عندما يلغي الرجل الخطوتين الأولى والثانية ويعطي نفسه الحق باستخدام الخطوة الثالثة فقط! ولكن إذا كان هو سبب المشكلة هنا يسقط حقه في جميع الخطوات ويصبح معتديا، لأنه لو كان رجلا صالحا بالفعل لفكر وحاسب نفسه ألف مرة قبل أن يمد يده ويضرب امرأة.
إن الاعتداء على الزوجة، بأنواعه المختلفة، يتسبب في أن تعيش الزوجة في جو من الخوف والغضب والتهديد وعدم الاستقرار وهذه البيئة تأتي على ما تبقى للمرأة من كرامة وعزة نفس. إذن لماذا تبقى؟ لماذا لا ترحل وتترك الجمل بما حمل؟ هنالك عدة أسباب منها أنها تكون قد ربيت على أن طاعة الزوج عمياء أو لا تعرف شيئا عن حقوقها، أو لديها أطفال هم بحاجة إليها ويهددها الزوج بحرمانها منهم، أو الشعور بالذنب لأنها كما أفهمها الزوج أنها غير صالحة وتستحق العقاب، أو تحبه لدرجة أنها تتغاضى عن الأذى وترضى باللحظات التي يمنحها إياها من السعادة! أو عدم تمكنها من طلب الطلاق لأن أسرتها لا تقبل بذلك ويطلب منها أن تصبر وتحتسب، أو الشعور بالعار من مواجهة المجتمع المعروف بالثرثرة، فتعض على ألمها وتختبئ خلف ابتسامة ترسمها أو نظارة سوداء أو ماكياج ثقيل تغطي به آثار الاعتداء، أو ربما المكوث بالمنزل منعزلة، فهذا أهون عليها من الشعور بالنقص أمام المجتمع.
فعلى الرغم من خطورة القضية نجد أن المجتمع يتغاضى عن هذه التعديات ولا يقدم أي مساعدة للمعتدى عليهن أو يعاقب المعتدين! فالكثير يعتقد بأنها قضية أسرية ولا يجوز التدخل، أما الباقي فيعيش في حالة إنكار أو عدم تصديق. يجب أن ننفض غبار الجهل واللامبالاة وننهض للمساعدة. أولا بتوعية وتثقيف المجتمع عن أخطار هذه الظاهرة وما تسبب من أذى للأسرة وبالتالي تضعف المجتمع، ثم يجب تدريب اختصاصيين واختصاصيات في علاج ضحايا الاعتداءات من نساء ورجال وأطفال، وفتح خطوط هاتفية أو إلكترونية لاستقبال طلبات المساعدة وتقديم الإرشادات اللازمة، كما يجب فتح بيوت خاصة (الأربطة) لاستقبال الزوجات والأطفال في حالة عدم وجود أسرة قريبة يلجأون إليها، إلى أن يتمكن الاختصاصيون من معالجة الزوج، أما في حالة الانفصال فتساعد الزوجة على إيجاد سكن وعمل تعيش منه وتصرف على أطفالها، فإنها تستحق أن تعيش بكرامة دون خوف أو إذلال وأن تشعر بتقبل وتعاطف مجتمعها فهي قبل كل شيء الضحية ويجب ألا تلام!