ما شاء الله علينا نحن السعوديين، أو لنقل بعضنا، فقد أصابنا البطر وغلبنا الترف، وصرنا مثل الطفل الصغير الذي يغالب الفطام حتى تعرعر هذا الطفل (تعرعر أبلغ من ترعرع) على الدلال والحنو الزائد، وتنعم فصار كالقارورة يشف بوضوح عما بداخله، ويجرحه أي مساس بأشيائه أو إنقاص في مقتنياته.
ما شاء الله علينا، صارت قضايانا الصغرى قضايا كبرى، وصار همنا الأول والأولى هو حفظ (المائدة)، ولا أعني السورة القرآنية الكريمة، وإنما أقصد السفرة السعودية التي صارت تفرش صباح مساء وهي حافلة بأطايب الطعام، ما لذ منها وما تنوع، مما هو تقليدي من الأطباق الشعبية، أو ما استجد من تنويعات غذائية دخلت إلى سفرتنا العامرة بفعل الحداثة والنمو والاحتكاك بالثقافات العالمية القريبة والبعيدة، ومعلوم أن هذا التنوع الغذائي الكمي والكيفي هو الذي جعلنا نحن السعوديين نقف في مقدمة طابور المصابين بأمراض البطنة، ومنها السكر والضغط، وبنشرة الركب التي عجزت عن حمل أثقالنا.
ما شاء الله علينا، فمع حشد القضايا التنموية التي تحتاج إلى رأي الناس ومع التردي، أو لنقل التردد الواضح في معالجة مناهج التعليم، وكذلك مع التردي الواضح في الخدمات الصحية وما يقتضيه ذلك من تحسين ومعالجة.. ومع أزمة الإسكان الناشبة أظفارها برقاب الشباب، ومع أزمة النقل العام وازدحام الطرقات، ومع العروض البنكية المتوالية لتفليس الناس من خلال القروض التي تذهب في الحاجات الاستهلاكية غير الضرورية، وجعل مستقبل الشباب مرهونا لسنوات قادمة لدى البنوك.. ومع توالي القضايا المحلية والإقليمية، التي لها الأولوية والأهمية، إلا أن ارتفاع سعر (الدجاج) صار هو قضيتنا الكبرى والصغرى والأعلى والأدنى.
لقد وضع الكاتب النحرير الأستاذ علي الموسى في زاويته الرائعة أمس الملامة كلها على مصنعي الدجاج، الذين يرفلون في نعيم القروض الحكومية بلا أي ضغوط أو فوائد.
ومع كون الكاتب الوطني المخلص علي الموسى من خيار الكتبة عندي، ومن أول المقروئين لدي، إلا أنني أختلف معه في تحميل التجار عنت المشكلة، وليس في وارد أي دولة تنحاز لاقتصاد السوق أن تتدخل في تثبيت الأسعار، رغم جدوى ذلك في بعض الحالات الضرورية، لكن حالة (الدجاج)ـ يا رعاك الله ـ تظل مسألة ثانوية، مضافا إلى ذلك ضرورة ما أشرت اليه في مقالي السابق يوم الأربعاء الماضي (يا ويلك يا وزير الزراعة)، الذي تمحور في مجمله على تحشيد الناس وتعويدهم على نهج المقاطعة، واستخدام البدائل المتاحة، وهي عديدة على نحو يجبر التاجر على تخفيض سلعته حتى بما يتجاوز سعر التكلفة أحياناً، وذلك بحسب قوة الضغط وفعالية المقاطعة.
لا بد أن يتعود المجتمع على أن يشكل قوة تضامنية في كل القضايا الاستهلاكية وغيرها من قضايا الرأي العام.
لقد صار شعارنا (الشعب لا يريد تغيير الطعام)، وعلينا أن نغير هذا الشعار الشهواني الغريزي الطفولي، ونقلب أولوياتنا ونصير سادة أنفسنا لا عبيد احتياجاتنا.