(عجيب.. بني آدم ضعيف). يكررها بعد أي حديث يصغي إليه. ربما قاطعك منتشيا، فتخرج "عجيب" حبة عنب من فيه، تتلمس طعمها روحك، فتطرب للذعتها، حين يكون الحديث براري موحشة، يستغرقه الأسى، فتخرجها روح اهتزت حيرة "بني آدم ضعيف". كان رجلا عجيبا. لو علم أنني لم أكتب عنه إلا الآن، للسع روحي.. "عجيب .. بني آدم ضعيف"، لزمته التي اشتهر بها وحده. لم يكن يرضى باللزمات العمومية الشائعة، ولعل أشهرها في عموم الوطن العربي (شايف كيف، انت معي، واخد بالك، هيا خليك معايا، انتا بالك). أو حتى تلك اللزمات التي شاعت في عصره وتوارت الآن ولم نسمعها إلا من المعمرين والمخضرمين وبعض من خالطهم وعاشرهم (بس وأخذت بعضي، قلي عقلي، وانت سيد العارفين، من غير معلم...)، أو تلك اللزمة الجميلة التي كان يختم بها بعض الناس أحاديثهم وحكاياتهم عندما يفتقدون الخيط الدرامي لحبكة السرد فيهمسون متعبين (... وبس خلاص)، فيتحول كل شيء إلى كوميديا عابرة كنسمة. والتشبيه الأخير مما شاع من أساليب حتى لتسمع من غالبية الناس (عبر زي النسمة) وهم يصفون إنسانا طيبا ودودا محبوبا، اختلسته يد الموت من الحياة غيلة، في مخاتلة لأحلامه وأشواقه التي لم يربها كما ينبغي بعد.

تعبيرات مشاعة كثيرة تتبدل، فيما يمكن أن نسميه بـ( تحولات الكلام). لم نعد نسمع كثيرا ربات بيوت ينثرنها في وجوه الصبية كلمات تفيض بشرا ودعاء قدر ما نسمع (مع نفسو) (انقلع) (ضف وجهك)، دون أن يعني هذا أن أولئك كن ملائكة، أبدا فقد كنا نسمع (وايق زي الناس عساك العمى) تدفعها انفعالات لحظوية، مثلما كنا نسمع (أوى يلوي رقبتك) تهكما على من يرد بـ (ايوا) حال مناداته، وحين يريد أن يتهذب، يصفع بكلمة (نعامة ترفزك) إن قال نعم، وكل ذلك يقع في ثوانٍ، تكون فيها ربة البيت في قمة الانفعال لأي سبب كان.

وحين ترق تعود لحلو الكلام مما هو شائع، أو مما هو مبتكر من لازم الكلام، حقيقي وشبه خاص، كصاحبنا الذي لا يفتأ كلما سمع حكاية أن ينتشي ويخرج من فيه حبات العنب. وحين تفيض روحه عنبا، يخصك، فينتزعك من وسط الناس (تعال ابغاك في كلام دقة)، لزمة مما شاع وتحول الآن لـ (كلمة راس)، وبين التعبيرين مسافة جرت فيها أحداث كثيرة أرهقت (الضعيف .. البني آدم)، ولكنه ما زال يدب في الحياة.. ما زال يبتكر لكل وقت (كلاما لازما).