عماد محمد سالم


العيش يأتي من السماء، والحرية لا تأتي إلا بالدماء، والعدالة الإنسانية هي أن يحزن كل الأغنياء كما نحزن أو نعيش جميعا سعداء.

في مصر كان لنا نداء واحد يصعد من كل ميادين حريتنا، حلم واحد تجمعنا حوله، وعشنا به، ومات أطهر وأنبل من فينا من أجله (عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية)، والآن بعدما ضاع كل شيء، مات من مات واستشهد من استشهد؛ باع بعضنا بعضا من أجل سلطة زائفة ومجد مزعوم.. بعدما كنا معا في الميدان.. لعب بنا الرفاق وتركونا وحدنا على رصيف ميدان التحرير، وذهبوا للقاعات المكيفة والقنوات الفضائية وأخذوا حماما ساخنا واستبدلوا ملابسهم من ملابس الشباب (الجينز) إلى (البدل والكرفتات) الأنيقة كي يصبحوا مقدمي برامج في قنوات لم يكن لها وجود من قبل.. ثورة قمنا بها من أجل وطن كنا نحلم به.

كانت ثورة.. ولكن تسلق عليها المتسلقون، وصعدوا فوق نعوشنا ليصلوا إلى ما يصبون إليه، تاجروا بنا وبأحلامنا، وباعوا ضمائرهم وذكريات الميدان من أجل كرسي زائف في مجلس شعب مقهور مغلوب على أمره..

كنا نعتقد أنهم سيصبحون أصواتا لنا، فدعمناهم وأيدناهم وحاربنا من أجلهم، ففاز بعضهم بمقاعد في مجلس الشعب وفاز آخر بمقاعد في صالة مكيفة في قاعة للمؤتمرات محاضرا ومتحدثا باسم الثورة، وفاز الآخرون بمقاعد في أستديوهات لقنوات فضائية مقابل آلاف الدولارات.

كانت ثورة.. وكنا نريد فقيها دستوريا كبيرا رئيسا لمجلس الشعب الذي كان يخدم الباطل فيه أكبر برلمانيين وأستاذة للقانون في مصر والوطن العربي..

كنا نريد جنودا للحق أشداء على الفاسدين رحماء علينا أقوى من جنود الباطل الذين استخدموا حنكتهم السياسية وخبراتهم البرلمانية في إفقار هذا الشعب النبيل لصالح طبقة واحدة تتركز في يديها السلطة والمال.

ألا تملك مصر كفاءة برلمانية وقانونية تساهم في سن تشريعات تغير وجه مصر الفساد ليصبح مصر الثورة؟

أين القوانين التي تدعم الفقراء؟ أين قوانين الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور؟ أين حقوق الضحايا والشهداء؟ أين البنزين أين أنابيب الغاز؟

لقد ضاع الوطن واحتل البرلمان حزب جديد بخبرة قديمة تهادن ولا تواجه، تعقد اجتماعات وتشكل لجانا دون أن تتخذ أي قرارات.. وكما فعل بنا الحزب الوطني المنحل، يفعل بنا وارث عرشه الذي احتل البرلمان وتاجر بالثورة من أجل طموحات حزبية ضيقة، وأحلام لجماعة تحكمها إيديولوجية لو انطلقت فإنها ستجلب الويلات على الوطن.

كانت ثورة.. تحلم بالمستقبل الذي نشارك جميعا في صنعه، ولكن الأغلبية الجديدة أبت ووقفت حائلا دون ذلك.. أبت إلا أن تشارك بـ50% من مجلس الشعب والخمسين الأخرى من خارج المجلس يتم اختيارهم برغبتهم المنفردة.

لا أفهم أبدا أن الأغلبية تتدخل في تشكيل لجنة للدستور.. حيث إن الدستور يحكم البلاد لمئة سنة على الأقل إذا لم يكن أكثر، وهم أغلبية مؤقتة، فكيف يصوغون الدستور ويغيرون وجه مصر بما يتفق مع إيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين؟

كانت ثورة.. أطاحت برأس نظام كان حيا وما يزال حيا، ما يزال جسدا قويا فاعلا يتربص بنا.. جسد اسمه "الحرية والعدالة".