في جميع أنحاء المملكة ومن خلال الأمانات هناك أراض مملوكة للدولة مخصصة لمشاريع تنموية تخدم مصلحة المواطنين، وفي كل مخطط عمراني مملوك للدولة أو لأصحابه من الخواص أو الشركات المطورة عمرانياً هناك أراض مستقطعة، لتكون مراكز خدمات للصحة والتعليم ومراكز تجارية ودفاع مدني وحدائق، ويرتبط الاستثمار الخاص للبناء على هذه الأراضي المخصصة بالأمانات والبلديات بعد موافقة الوزارات الحكومية إذا كانت ليست لها حاجة بها، وأحياناً تجمد هذه الأراضي لعشرات السنوات لعدم موافقة الجهات بالإذن للمستثمرين البناء عليها والاستفادة منها، وهي قصة طويلة سبق طرحها وما زالت القضية قائمة. وأنا لن أتطرق لها اليوم وإنما طرحي اليوم يتعلق بأراضي الأمانات، التي تتحفظ عليها إدارات الاستثمار أو القائمون عليها، وهي في وجهة نظري أهم الإدارات التي تحتاج إلى مراقبة ومتابعة دقيقة، ويتفق معي بالرأي الكثير من المستثمرين الراغبين في إنشاء مشاريع تنموية عليها، إلا أن بعض الفساد يمنعهم من تحقيق أهدافهم نظراً للتلاعب بالأنظمة واللوائح وتسريب المعلومات وحجب بعضها واختيار أوقات الإعلان عن أراضي الاستثمار وتفعيل الشروط والضوابط أحياناً على مستثمرين بعينهم. هذا بالإضافة إلى روتينية تخصيص الأراضي غير المتناسق مع حاجة التنمية في المدينة أو الدولة. وهذا يدفع الكثير من المستثمرين إلى فقدان الثقة في إدارات الاستثمار والقائمين عليها. فكم من أراض مخصصة لأن تكون مراكز تجارية في مناطق لا حاجة لها في إقامة المزيد من المراكز التجارية، وتصر الأمانات على الاستمرار في تخصيصها مراكز تجارية رغم الحاجة الماسة لخدمات تعليمية أو صحية وكأنما يعتبر التخصيص قرآنا منزلا لا يمكن تغييره، وكم من أراض على البحر تابعة للأمانة في أمس الحاجة لها كمتنفس للمواطنين ولعوائلهم وأبنائهم أجرتها الأمانة لشركات استثمارية لإقامة مشاريع استثمارية سياحية لطبقة معينة من أغنياء المواطنين، وحُرم بقية أبناء الوطن من متوسطي الدخل حتى من الجلوس على أطرافها إلا بقيمة مدفوعة.

وكم من مشاريع لا يعلم عنها المستثمرون يتم الإعلان عنها في جريدة أم القرى ضمن الإعلانات المبوبة بناء على نص النظام بشرط الإعلان عنها في الجريدة الرسمية. وكم من أراض تم تأجيرها على مستثمرين ولم يتم تنفيذ المشاريع عليها إلا في نهاية المدة التأجيرية لإجبار البلديات أو الأمانات بتجديد العقود لفترات أخرى. وفي المدن الساحلية تنتشر الجزر التي سبق وأن كتبت عنها وطالبت باستثمارها كمنتجعات سياحية أو كليات أو مدارس تعليمية أو مستشفيات أو مصحات أسوة ببقية جزر العالم، وكان التعليق على مقالتي آنذاك لا تكرر الكتابة في موضوع الجزر لأننا نخشى أن تلفت انتباه المتنفذين فيطبقوا عليها منحا خاصة، وحتى تاريخه لم تصدر توضيحات رسمية عن وضع الجزر المجاورة لشواطئ المملكة، وقيل إنها تحت حماية ـ أو ضمن أملاك ـ سلاح الحدود.

إن التنمية في بلادنا تحظى باهتمام كبير من خادم الحرمين الشريفين ومن ولي عهده وأمراء المناطق، إلا أن اختلاف الأنظمة المتبعة في الأمانات يرتبط باختلاف القائمين عليها، وأحياناً تكون تحت مزاجية الأمناء ورؤساء البلديات، وتتضارب توجهات التنمية أحياناً بين الوزارات بعضها البعض وبين إمارات المناطق وأمناء المدن، أو بين ممثلي الوزارات في المناطق وبين الإمارات. ومن وجهة نظري الشخصية والتي سبق أن طرحتها هي ضرورة إعادة النظر في نظام المناطق في المملكة لإعطاء أمراء المناطق مزيداً من الصلاحيات والمسؤوليات ليكونوا مسؤولين ومساءلين عن التنمية في مناطقهم، بحيث يكون لكل منطقة ميزانية مستقلة لجميع الوزارات التي في دائرتها، ويكون لأمير المنطقة ومجلس المنطقة الصلاحية المباشرة في تحديد الميزانية حسب احتياجات المنطقة لجميع المشاريع والإشراف على صرفها ومتابعة المشاريع، على أن تتبع جميع الإدارات والأجهزة الحكومية لإدارة وإشراف أمير المنطقة، ولأمير المنطقة الحق في قبول ورفض تعيين بعض كبار المسؤولين لأسباب منطقية، ولأمير المنطقة الحق في طلب إعفاء أي مسؤول لأسباب منطقية ترتبط بالمصلحة العامة.

إن بناء مراكز قوى في المناطق لمسؤولين في وزارات معينة لا يسهم في تحقيق التنمية الشاملة. وإن فرض قيادات تنفيذية في مراكز التنمية لا يخدم المصلحة العامة. فأمراء المناطق هم الأكثر علماً والأكثر حرصاً على تنمية المناطق.