اللغة العربية تمر بمنعطف كارثي، من حيث وظيفتها المعرفية والجمالية والروحية، والواقع العياني وكل المواريث العقلانية والنشاط الذهني للإنسان العربي والناطقين بها، فمن يصدّق أنها تأتي في المرتبة الرابعة تداولا في إحدى البلدان العربية؟! مما دفع "المجلس الدولي للغة العربية" للصراخ محذرا من ربقة ذلك المصير الموحش، والمكمن المجهول. بل إن أغلبنا لا يعرف شيئاً عن ذلك المجلس الذي نشأ بمبادرة قدمت إلى اليونسكو، بمناسبة إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2008 عاماً دولياً للغات، وقد تنادى إلى تأييده ودعمه عدد كبير من الدول والجمعيات والاتحادات العربية والهيئات والمنظمات الدولية، وتم عرضه على المؤتمر العام لاتحاد الجامعات العربية الذي عقد بمشاركة أكثر من 150 رئيس جامعة عربية، وقد أيد المؤتمر نشأة المجلس كهيئة دولية مستقلة مقره بيروت، وقد أصدر المجلس وثيقته تحت عنوان "اللغة العربية في خطر، الجميع شركاء في حمايتها" وتضمنت الوثيقة عشرين بنداً، جاء في البند السادس عشر الدعوة إلى الاستثمار في اللغة العربية، كأولوية للإنسان العربي، وعقله وفكره ومهاراته وقدراته وشخصيته وهويته، فاللغة أم الصنائع، وعليها تعتمد الصناعات والاستثمارات التي لا يمكن لها أن تتم دون لغة تسمح لها بالحدوث، ثم النمو والتوسع والإنتاجية والتسويق. أراد أحد الحكام أن ينهض بأمته فطلب من أحد كبار مستشاريه أن يدله على البداية المهمة، التي تكون أساساً لنهضة بلاده ، فأشار عليه المستشار الأمين بإصلاح اللغة أولا، فبصلاحها تصلح الأمور كلها؛ لأن الناس بها يتخاطبون ويتواصلون ويعملون ويقرؤون ويكتبون ويعبرون ويتعلمون ويفكرون ويتخيلون ويخططون ويخترعون ويبدعون ويبيعون ويشترون ويتعبدون ويتحاكمون ويتقاضون ويعملون ويصنعون وينتجون. كما أشارت الوثيقة إلى أن اللغة الأجنبية هي أهم مداخل الغزو الثقافي، إن هي طغت على اللغة الوطنية وأضحت تحل محلها في جميع شؤون الحياة، وبهذا يصبح الأمن الثقافي الوطني والعربي عرضة للاختراقات التي تهدد وتعتدي على الثوابت وتضعف الانتماء، وقد لوحظ أن ثمة مؤتمرات دولية تعقد في الدول العربية تعتمد على اللغة الأجنبية على حساب اللغة العربية، في تعد واضح وصريح على السيادة الوطنية، إضافة إلى استخدام اللغات الأجنبية في المطارات والطائرات والفنادق والمطاعم والمرافق الحيوية، مع تغييب اللغة العربية في هذه المؤسسات، وهذا انتقاص من الثوابت الوطنية واستهتار بها إن الاهتمام باللغة العربية مسألة دينية، فلا يمكن لأي مسلم أن يؤدي واجباته الدينية إلا بلغة القرآن الكريم "اللغة العربية".