تحتاج الأمم إلى الفنون قدر احتياجها للماء والهواء، فالفنون هي جسر التواصل بين الإنسان وأخيه الإنسان سواء اتفق معه في العرق واللغة والدين أو اختلف معه. والفنون هي المكون الأساسي لقيام أي حضارة، ويكون انهيارها مؤشرا على انهيار تلك الحضارة، والفنون التي أعنيها هنا هي الفنون الراقية كالموسيقا والغناء والفن التشكيلي والمسرح والنقد الأدبي والسيناريت.

الفن هو الواحة التي يستظل بها الإنسان من هجير الحياة اليومية المليئة بالضغوط، وقديما عرف العرب الحُداء والغناء والشعر الذي سجلوا فيه أهم الأحداث، وكان بمثابة ذاكرة للأمة. والعرب من أقدم الأمم التي صنعت سوقا للفنون والشعر في العالم، وهي السوق المعروفة بسوق عكاظ، التي شهدت المساجلات الشعرية والمسابقات الأدبية الشهيرة في التراث العربي.

أما الآن وبعد ثورة الاتصالات وانفتاحنا على العالم فإن الحاجة ملحة لنقل ثقافة الآخر، وهضمها في ثقافتنا لكي تظل ثقافتنا نهرا متجددا ونبعا لا ينضب، ومن أجل كل ذلك فنحن في أشد الحاجة لإقامة المعهد العالي للفنون المسرحية، أو أكاديمية للفنون لتخريج أجيال واعية بفن التمثيل والإلقاء والنقد الأدبي والفني من أجل الارتقاء بذائقة الأجيال. وكذلك لتدريس الإخراج والسيناريو من أجل تخريج الكُتاب البارعين القادرين على قراءة تاريخهم المشرف بعين المبدع، وتحويله إلى أعمال فنية تخلِّد هذا التاريخ في عمل مرئي يراه القاصي والداني ويقدم صورتنا للآخر بشكل يفهمه.

وأيضا لتكون لدينا أجيال واعية في هذه الأشكال الفنية حتى نستطيع أن نطوعها لكي تتناسب مع الموروث الحضاري والفني والثقافي الذي تركه لنا الأجداد، ونعيد تصديره للخارج، وبهذا نكون قد صنعنا جسرا للتواصل مع الأمم الأخرى فنعطيهم أفضل ما لدينا ونأخذ منهم أفضل ما لديهم، دون المساس بثوابتنا الدينية والأخلاقية ودون أن نتخلف عن ركب الحضارة والتطور.

ونستطيع بهذه الفنون الراقية أن نملأ الحياة بهجة وبهاء، فالجمال الذي يستهوي النفس البشرية هو نتاج الفن، فمن الفن كانت المباني الجميلة والحدائق المنسَّقة والأزياء الأنيقة. ولا يكون التأثير في الأشياء المادية وحسب ولكنه يمتد أيضا ليشمل المعاني الإنسانية؛ فالفنون تهذب الوجدان وترفع من لغة الحوار بين الناس.