إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لبسني الحزن ووقفت الكلمات غصة في حلقي، لحظة سماع الخبر الفاجعة، لم تشفع لي سوى بعض الدمعات الحارقة لاستيعاب الخبر، فالرجل يشبه الوطن، وصوته وصورته مرتبطان في ذاكرتي مع المناسبات الوطنية، إذ ظل لعقود يذيع الأوامر الملكية التي تفرح الشعب، والمناسبات الوطنية والاستقبالات الرسمية وكذلك الدينية من المشاعر المقدسة.
برحيل الإعلامي والمذيع السعودي سليمان العيسى، تفقد قبيلة الإعلام السعودي أحد أهم رموزها وأركانها، ورائداً خلد اسمه وتجربته عبر مسيرة إعلامية طويلة حافلة بالإنجازات والحضور القوي والصوت المتزن الواضح، والمساهم الفاعل في مختلف الفعاليات والأنشطة الإعلامية، حتى أصبح نجما ساطعا ولامعا في سماء الإعلام السعودي، فكان بحق وحقيقة ثروة إعلامية سعودية تستدعي الفخر والاعتزاز، كما هو تاريخ هذا الوطن.
مثل هذا الرجل لا يمكن أن يموت، وإنما يرحل جسده من دار إلى أخرى، كيف يموت وأعماله خالدة ابتداء من برنامج "مع الناس" الذي كان يوصل من خلاله صوت المواطنين إلى المسؤولين، بلغة قوية وجرأة نافذة ووطنية صادحة.
من يعرف الراحل سليمان العيسى يدرك أنه نموذج للتعرف على معنى ومعيار الإنسانية والوطنية والمهنية والشهامة وحب الخير للناس والوطن. كان خارج الشاشة صاحب ابتسامة صادقة لا تفارق محياه، ينشط ويهب لخدمة الناس وعمل الخير ومساعدة المحتاج ومساندة كل صاحب حاجة.. من يعرف "أبا محمد" يفهم معنى الإعلامي المهني الحقيقي.
أول مرة التقيته، كانت إبان إشرافه على مذيعي التلفزيون السعودي قبل أكثر من عقدين، وأتذكر جيداً كيف كان حريصاً على فهد الحمود ومزيد السبيعي، وكيف كان يدعم عبدالله الشهري، ويتعاطى مع حامد الغامدي، فقد كنت صديقاً وقريباً من هذه المجموعة، وشاهداً على دوره وأدائه، وتواصله الإنساني معهم.
عزاؤنا في تغييب الموت لك أمس "أبا محمد" أنك كنت أحد أكثر الوجوه المحبوبة في الإعلام السعودي، ولا نملك سوى تذكّر سيرتك العطرة والدعاء لك بالمغفرة والرحمة والعتق من النار. وندعو لابنه محمد ووالدته وشقيقاته بالصبر والسلوان، ومن يعرف أيضا ابن الراحل الكبير يعرف أن المثل القائل (من شابه أباه فما ظلم) لأنه صورة مصغرة من والده ويحمل من إنسانيته كثيرا.
اللهم ارحم واغفر وتجاوز عن سليمان العيسى فقيد الوطن والإعلام، وقبل ذلك الإنسان بكل ما تعنيه الكلمة.