تصريح معالي وزير الزراعة الدكتور فهد عبدالرحمن بالغنيم، بأن الأسر متوسطة الدخل يجب ألا تحلم بعودة اللحم الأحمر ثانية لموائدها العامرة، والذي غادرها منذ فترة، ليـست بالقصيرة؛ وليتعودوا على اشـتهاء اللحم الأبيض، خير لهم، بشرط ألا يدمنوه، والذي كذلك قد لا يدوم انبطاحه على موائدهم، مشوياً أو مسـلوقاً أو مطبوخا، أطول مما دام لهم اللحم الأحمر، فهو كـذلك في طريقه للانـقراض من موائدهم، ناهيك عن موائد الأسر ذات الدخل المحدود، أما الأسر الفقيرة وتلك التي تعـيش تحت خط الفقر، فليست في الحسبان، لا من قريب ولا من بعيد، فهي تعيش على فتات موائد الأسر ذات الدخل المتوسط؛ تصريح ذكي جداً وخطير جداً، يجب ألا يمر مرور الكرام، على المراقب الوطني الدقيق، بدون مناقشته وسبر أغواره، فالمسألة لم تعد تخص الجلد وإنما اخترقته لتصل إلى اللحم، وتستقر بالعظم.
أنا بدوري، كواحد من فئة ذوي الدخل المتوسـط، أشكر معالي الوزير على صدقه معنا وشفافيته، ولو كان تصريحه مؤلما و"ماغصا" لنا، فأنا أعذره فنحن من طالبناه ونطالب المسـؤولين دوماً بالصدق والشفافية معنا، وها هو معاليه فعل، فلنشكره وندع شخصه الكريم جانباً، و"لنعمرش" جيداً ما أفصح به مشكوراً، ونهضمه ونلحس تبعاته وسـبل وطرق الحل، لعودة اللـحم الأحمـر لموائدنا سالماً غـانماً، أو على الأقل لنحتفظ بوجود اللحم الأبيض قابعاً على موائدنا، عاضين عليه بالنواجذ، لأطول مدة ممكنة، وذلك أضعاف الريجيم. أما إخواننا في الدين والوطن والإنسانية، ذوو الدخل المحدود فنصيحتي لهم بأن ينتظرونا، نحن ذوي الدخل المتوسط، للبحث عن حلول مدقعة، لعودة اللحوم بشتى أنواعها لموائدنا، أو على الأقل لتثبيت اللحم الأبيض عليها، التي بدأت تصبح، شيئاً فشياً موائد ضامرة، بعد أن كانت عامرة. ولكن في أثناء بحثنا عن حلول ناجعة، كما يقولون، أو مدقعة كما سنبدأ نقول، فعليهم عدم اليأس من رحمة الله، والدعاء لنا ولهم، وذلك بترديد التالي: "يااااارب لحمتك بالدنيا ورحمتك بالآخرة، فأنت الحي القيوم، مكثر الأمطار ومكثف الغيوم".
أنا، وأعـوذ بالله من كلـمة أنا، متشائم من ثبات اللحم الأبيض على موائدنا، ناهيك عن عودة اللحم الأحمر إليها. وبما أن الحل لعودة اللحوم بأنواعها إلى موائدنا الضامرة أو ثباتها عليها، قد يكون بعيد المنال عنا، وأنا أتحدث عن جيلنا الحالي، ولا دخل لي بالأجيال القادمة فكل، يدبر عمره، خاصة كوني ألبس نظارة مقعرة، بسبب قصر في نظري، ولكن عوضني الله بذاكرة قوية، أعرف الماضي، "لا بعد" وأدرسه، بحكم تخصصي أستاذ تاريخ، وعليه فمساهمتي في توفير الحلول اللحمية لموائدنا، سأسلخها من الماضي وأقدمها لكم من تجربة آبائنا الأقربين وليسوا الأبعدين. فمثلاً، بما أنه لا يوجد لدينا زراعة، تسـتحق تضحيتنا من أجلها وليس هـنالك مراع، حيث لا يـوجد لحم أحمر يتمخطر عليها، ولا حتى على أطلالها ولا هم يحـزنون، إذاً فلماذا تقـوم وزارة الزراعة، بتبديد الثروات والطاقات والجهود من أجل مكافحة الجـراد، القـادم إلينـا، نعمة أرسلها الله إلينا من أفريقيا. و"بعدين" الجراد هذا ميـت ميت، بدون مـكافحة، لأنه "ما راح" يحصل على شيء يقتات عليه، ليواصل رحلته الماراثونية، وسيضطر للهبوط على الأرض، منهكاً ونلقي القبض عليه متسللاً قبل أن يموت. ثم نضعه في "خياش،" أكـياس، كما كان آباؤنا وأمهاتنا يفعلون، وكل عـائلة ذات دخل متوسط أو ما دونها، يستطيعون طبخه بقدور كبيرة، فقط مع ماء وملح، وينشر في السطوح ثم يخزن، ويتم استخدامه كلحم، في عملية الطبخ، طيلة السنة، حتى يأتي موسم الجراد القادم. وللحم الجراد فوائد جمة، عهدها الأقدمون منا، حيث كانوا يقولون عنه "إذا جاء الجراد، صر (اربط)، الدواء"، حيث كان الدواء آنذاك، يوضع في كيس من قماش، تربط فوهته بحبل سخيف، ليس من السخف، ولكن كونه غير متين، يعني بأنه غذاء متكامل من "مجاميعه،" لدرجة طرده للأمراض.
ولا أعـلم في أي خانة سيضـع معـالي وزير الزراعة، لحم الـجراد، هل سيضـعه ضـمن خـانة اللحم الأحـمر أم اللحم الأبيض؟ ولكنني أقترح بأن يفتح له خانة جديدة ويسمى باللحم، "الأحمض،" أي لا الأحمر ولا الأبيض، ولا يكون لوزارة الزراعة دخل به، لا من بعيد ولا من قريب.
والحل الثاني، هو سماح "حماية البيئة الفطرية" لذوي الدخل المتوسط وما دونها، بصيد الضببة وتخزينها وأكلها.
وتتعاون حماية البيئة الفطرية ووزارة الزراعة مشكورتين، بوضع محميات لتكاثر الضببة، وتعمل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، بحوثا علمية جادة ومتعمقة، في كيفية تسمين وتكثير الضببة، حيث هي النوع الوحيد من اللحوم، التي لا توجد في العالم أجمع، إلا لدينا، أي هي لحوم وطنية بامتياز.
وأقترح عناوين لبعض هذه البحوث، مساهمة، ضبية، وليست ضبابية مني لمدينة الملك عبدالعزيز منها "ليس كل من هب ودب أكل لحم الضب،" وهذا البحث العظيم يكون موجهاً للخارج، ويثبت من خلاله، بأن الضب، لا يمكن بأن تهضمه غير المعدة السعودية، لا غير، حتى لا يتم تعليب لحمه وتصديره لخارج المملكة، من قبل التجار الجشعين.
وكذلك بحث "آيات الرحمان في لحوم الضبان" والذي يثبت بالأدلة القاطعة والأمثلة الدامغة، بأن لحم الضب يحتوي على جميع الفيتامينات والبروتينات، وكذلك على اللقاحات ضد الإصابة بجميع أمراض السرطانات وشلل الأطفال وأنفلونزا الخنازير وغيرها من أمراض سمعنا بها وتلك التي لم نسمع بها بعد.
ولا أطـيل عليكم، ولا على معالي الوزير، حيث أعلم كم وقته ثمين علينا، فهو من أخبرنا بكل شفافية، بأن موائدنا ستخلو من اللحوم، ما رأيكم لو نسمي هذه السنة بـ"سنة اللحوم الحمراء" والسنة القادمة بـ"سنة اللحوم البيضاء"، حتى تكون علامة فارقة يعرف بها من يولدون هذه السنة والسنة القادمة متى ولدوا بدون حسـابات ولا وجع رأس، مثلما كنا نفعل، فأنا أجيب كبار السن، عندما يسألونني متى ولدت؟ بأنني ولدت بـ"سنة الغرقة،" فيجيبون "على طول، إيييـيه، أجل أنت كـبر فلان وكبـر فـلانه"، فأجيبهم بنعم، حتى ولو كنت لا أعلم من هو فلان أو فلانه "منتهى الثقة".