الأب يشتكي، ويقول إن مستوى أولاده وبناته التعليمي لا يرقى إلى تطلعاته، والابن يرى أن مستوى التعليم الذي يتلقاه لا يلبي احتياجاته، ولا يحقق طموحاته، والمعلم يعتقد أن التدريب على رأس الخدمة الذي يحتاجه في ظل المتغيرات الحديثة مفقود، والمستفيدون من مخرجات التعليم يعانون من مستويات خريجي التعليم العام، ولا يثقون بدرجة عالية في مستوى تأهيل، وتمكن هذه المخرجات، ومدير المدرسة يرى أن هناك العديد من الإجراءات الإدارية والتعليمية بحاجة لإنجازها في المدرسة لكي تكون بيئة تعليمية بها الحد الأدنى من مقومات العملية التعليمية المقبولة، كل ما سبق يقود إلى السؤال التالي: ما أسباب تدني مستويات التعليم العام في هذه الأيام؟ وهناك العديد من الإجابات على هذا السؤال ومن أهمها:
1- تخلت المدرسة عن دورها التربوي والتعليمي والتعلمي بشكل أو بآخر، ولذلك فالمدرسة لم تعد تقوم بالدور التربوي المتوقع منها في تربية الطلاب قبل تعليمهم، المدرسة بالنسبة للطالب عبارة عن دوام روتيني يفتقر إلى الإبداع، ولا تعمل كبيئة جذب للمتعلمين للبقاء بها وقتا أطول، بل هي بشكلها الحالي بيئة طاردة، وهنا أرى أن البيئة المدرسية بحاجة إلى إعادة نظر، وهيكلة لكي تجذب الطالب، ولا تنفره، فالمدرسة لا يقتصر دورها على احتضان الطلاب لمدة من الزمن خلال اليوم، ولكن المهم ما يدور في هذا الوقت، ومدى توافر الإمكانات المطلوبة لتحقيق الأهداف المنشودة منها.
2- الطالب عامل رئيس، وله أدوار عديدة في تحقيق المدرسة لأهدافها، وتحسين المستوى التعليمي بها، فعندما تكون توقعات الطالب عالية من هذه المؤسسة، وتطلعاته واحتياجاته لا يمكن تحقيقها، بل لا يجدها، فهذا بدوره يؤدي إلى الإحباط، فعندما يكون المستهدف الرئيس من العملية التعليمية عامل هدم للكيان المؤسسي، فلن يتحقق لها ما تخطط له، ويكون الطالب غير متحمس لعمليتي التعلم، والتعليم، ومن هنا لا يتحقق دور المدرسة، ومن ثم تخفق المؤسسة التعليمية في تحقيق أهدافها، وتكثر عملية التذمر من تدني مستويات التعليم.
3- يؤدي المعلم أدوارا عديدة في العملية التعليمية، وفي هذه الأيام نجد أن أغلب المعلمين لا ينتمي لمهنة التعليم، ومن ثم لا يقوم بالأدوار التربوية، أو التعليمية، أو العلمية، أو التقنية، وغيرها من الأدوار المتوقع أن يقوم بها بالشكل المطلوب، ويتأثر بذلك مستوى الإخلاص، والتفاني في سبيل تحقيق أهداف مهنة التعليم، وهنا أرى أن يكون هناك إجراءات عديدة في عمليات اختيار المعلم وإعداده، وتدريبه، وتوظيفه من خلال التعاقد لا من خلال التوظيف بشكله الحالي، والمحاسبة في حالة التقصير.
4- العامل الآخر الذي أثر في تدني مستوى التعليم - على الأقل - من وجهة نظري هو تطوير المناهج بشكل غير مخطط له، فلقد خصصت الدولة مبالغ كبيرة جدا لتطوير التعليم، وكان التركيز بدرجة كبيرة على تطوير الكتب، أو ما يعرف بالمقررات المدرسية، وما تم فعلا هو ترجمة بعض الكتب الدراسية من دول أخرى إلى العربية فقط، وهذا لا يعد تطويرا، بل ترجمة حرفية لمحتوى هذه المقررات التي قد لا يتواكب كثير من محتوياتها مع البيئة المدرسية لدينا، ومع المتعلم نفسه وقدراته، ومع المعلم الذي لم يكن إعداده، أو تدريبه متواكبا مع أساليب تدريس هذه الكتب، وتقديمها لطلابنا؛ لأنها مطورة في الأساس لبيئات ولطلاب غير طلابنا، وعملية التطوير التي تمت في نظامنا التعليمي تطوير جزئي - إذا جاز لنا أن نسميه تطويرا - لأن التطوير في المجال التعليمي عملية شاملة، فأين تأهيل المدارس بما يتواكب مع مستجدات العصر؟ وأين تدريب المعلمين في ضوء المستجدات العلمية، والتعليمية، والتقنية؟ وأين تطوير المناهج (الأهداف والمحتوى، والوسائل، والتقنيات اللازمة، وأساليب التدريس، والتقييم، والتقويم)؟ وأين.. وأين..؟
5- عملية تطوير التعليم العام عملية ليست بالسهلة كما يعتقد بعض، ولا يمكن رؤية نتائجها في سنوات قليلة، وتحتاج إلى وقت، ولكن المهم أن عملية التطوير يجب ألا تقتصر على مسؤولي وزارة التربية والتعليم فقط، فلا بد من الاستفادة من خبرات المتخصصين في مختلف المجالات المتعلقة بالتربية والتعليم من خارج الوزارة، ومشاركتهم في عمليات التطوير في مختلف مراحلها، وهذا نهج متبع في كثير من دول العالم، فالخبراء من خارج الوزارة قد يقدمون الكثير من تجاربهم وخبراتهم التي قد تعمل على إثراء وتجويد وتحسين عمليات التطوير، ومن ثم يكون هناك تطوير حقيقي وشامل لنظامنا التعليمي بكافة جوانبه، ومع تقديري لما تم بذله من جهود تطويرية في هذا المجال إلا أن التطوير في المجال التعليمي بحاجة أن يكون بشكل شمولي، وفق خطة علمية عملية تحدد فيها الأولويات، ويتم تنفيذها وفق ذلك.