التقارير الرسمية وغير الرسمية عن الفساد وهدر المال العام في الوزارات الحكومية، كانت في الغالب محصورة في عدم التزام الموظفين بالدوام، واستخدام أدوات وممتلكات ووسائل العمل والحركة الخاصة بالوزارة في أغراض شخصية، خصوصاً أن الوزارات هي الأجهزة التنفيذية التي يفترض أن تكون مؤتمنة على أموال الدولة وحقوق المواطنين، وتسعى للحفاظ عليها، ومحاربة الفساد وهدر المال العام، لذلك كان بيان هيئة مكافحة الفساد حول هدر المال العام في وزارة الشؤون الاجتماعية مفاجأة، إذ ربط البيان إهدار المال مباشرة بالوزارة وليس بجهات تتبع لها. حمّل بيان "نزاهة" وزارة الشؤون الاجتماعية مسؤولية إهدار مبلغ 6 ملايين و400 ألف ريال، في استئجار مبنى لم تستفد منه، بل أوضح البيان أن الوزارة قامت بتجديد الإيجار لمدة ثلاث سنوات إضافية مع زيادة بنسبة 10 في المئة من قيمة الإيجار السابق، رغم أنها لم تستفد من المبنى في السنوات الثلاث السابقة، فالوزارة نفسها عبر بيان أصدرته أوضحت أن مسؤوليتها تتوقف عند استئجار المبنى، وتأتي مسؤولية وزارة الصحة في تأثيثه وتشغيله، إذ إن المبنى كان مخصصاً لاستخدامه مقراً لناقهي الأمراض النفسية، في محاولة لإلقاء التهمة في ملعب وزارة الصحة، وقالت إنها لا تريد الخوض باستفاضة في بيان هيئة مكافحة الفساد، نظراً لإحالة الموضوع إلى هيئة الرقابة والتحقيق.

المواطن المغلوب على أمره لا تهمه الوزارة التى أهدرت أمواله، سواء أكانت الشؤون الاجتماعية أم الصحة، ما يهمه أن الأموال أهدرت في استئجار مبنى لم تتم الاستفادة منه، في حين أن المشمولين برعاية وزارة الشؤون الاجتماعية، وهي فئات بالضرورة تعيش ظروفاً اجتماعية صعبة أهلتها لتكون مشمولة برعاية خاصة من الدولة عبر صناديق الضمان الاجتماعي التى تشرف عليها وزارة الشؤون الاجتماعية، يجأرون لطوب الأرض صباح مساء بأن الإعانة التى تمنح لهم شهرياً من الوزارة لا تقيهم برد الشتاء ولا حر الصيف، كما لا تغنيهم من جوع أو تقيهم الأمراض، في حين أن الوزارة لم تجد وقتاً لتهتم بمعرفة مدى الاستفادة من مبنى مستأجر بمبلغ مليون وخمسمائة ألف ريال خلال السنة الأولى، وما إن كانت الوزارة في حاجة لهذا المبنى أم لا! وتعيد استئجار المبنى نفسه ولمدة ثلاث سنوات إضافية! أليس هذا في حد ذاته أمرا يستحق المساءلة والمحاسبة؟

وزارة تشرف على من لديهم ظروف اجتماعية خاصة، تهدر أموالهم بهذه الطريقة التى تعبر عن عدم المسؤولية، وتضيع عليهم أكثر من 6 ملايين ريال دون احتساب تكلفة تأثيثه أو تجهيزه، وهم الأكثر حاجة لأي هللة مخصصة لهم، ناهيك عن الملايين. ألم يكن هذا المبلغ كافياً لبناء دار خلال السنوات الثلاث الماضية، طالما أن الوزارة لم تكن بحاجة للمبنى أو المبلغ خلال تلك الفترة؟

أخيراً تستحق هيئة مكافحة الفساد الشكر والتقدير على عملها وجهودها واتجاهها نحو البحث في ملفات ودفاتر الرؤوس الكبيرة، إذ لا يستقيم الظل والعود أعوج، كما أننا ما زلنا ننتظر، مع تزايد عمل ونشاط "نزاهة"، أن نرى نتائج ومحاكمات، لا أن يكتفى بمساءلة للمقصرين وتشهير بهم فقط.