أحتفظ منذ فترة طويلة بملف تراكمي أضيف إليه دوريا قصاصة تلك الأسماء التي تفوز بالتعيينات والترقية على المناصب التنفيذية في جهازنا الإداري الوطني، وللأمانة التي أتشرف بحملها (قلما) مع وطني الأغلى، حبا وعشقا وانتماء، سأكتب أن خريطة الأسماء التي تتناثر في هذا الملف دائما منقوصة. لكن الأمانة أيضا تلزمني أن أشير إلى موقع الخلل لأن صناعة الأسماء الصاعدة لا تبدأ من الهيكل الذي يصدر منه القرار بقدر ما تنمو وريقات ترشيح قصيرة صغيرة من أدراج مكتب ثانوي في الوزارات المختلفة، هناك وفي الدهاليز المتوسطة من صنع القرار تبدأ الخارطة العملاقة تنكمش في جيوب البعض حين (يسقطها) في جيبه الصغير حتى تصبح مجرد ورقة ملفوفة بين بعضها البعض، وفوق بعضها البعض، وعندما تحتاج هذه الطبقة المتوسطة بداية أوراق القرار الجديد يخرجونها من الجيب فلا يشاهدون منها إلا ما كان على الكف الصغير أمام العين. هناك يصبح (عصب الكف) هو كل المؤهلات والأهلية وموضع الكفاءة والثقة، لأن الدهاليز الوسطى من صناعة القرار لا تعترف أن للكف أيضا، أصابع وشرايين ولا تظن أن – الوطن – أكبر من حجم اليد اليمين ولهذا يختصرونه في مساحة باطن الكف. هؤلاء لا يقرؤون حتى رسالة – أبو متعب – وهو يمنح أصابع هذا الوطن عشر جامعات مكتملة في أقل من عامين ولا يشاهدون مكتب – أبو فهد – الذي تتوزع فيه الوجوه على كل خارطتنا الوطنية. هؤلاء الصغار، من الطبقة الإدارية الوسطى في بذرة صناعة القرار إنما يتعمدون أن يكرسوا لدينا قاعدة إدارية يفكر فيها نصف الشعب عن نصفه الآخر ويرسم فيها بعضه ما شاء للبعض الآخر من احتياجاته وأولويات التنمية المختلفة، وخذ مثلا من ثمار هؤلاء آخر شيء قرأته هذا الصباح في خبرين: الأول أن أربعين فردا من خارج الحدود الشمالية يرسمون استراتيجية جامعة الحدود مثلما أشار (شقيقي) صالح الشيحي بالأمس، والثاني أن محكمة مدينتي تعمل بخمسة قضاة فقط رغم أن بوابتها تفتح على ثاني أكبر كلية شريعة وثالث أقدمها بهذه الخريطة الغالية.