سأبدأ اليوم من الفكرة المزدوجة لمعلومتين طازجتين حصلت عليهما بالأمس وكلاهما تصبان في خانة (القادرين الموسرين وأفكار العمل العام الخيري التطوعي). الأولى، إن الدكتور ناصر بن إبراهيم الرشيد، يوقع شيكا بثلاثة وعشرين مليونا لبناء مقر لنادي حائل الأدبي ويمهر خطاب الإهداء بجملة وحيدة هي: إن احتضان العمل الثقافي كفيل بتحصين عشرات الشباب من وباء الأمراض الاجتماعية وإن بناء العقل كفيل بحصانة الجسد. الثانية، إن سجلات مركز غسيل الكلى في مدينتي، وحين زرته بالأمس، يشير إلى أن 13 مواطنا من الحي الذي أسكن به ولوحده يذهبون إليه ثلاث مرات في الأسبوع الواحد في زحام هائل على المواعيد المكتظة. تعالوا معي للقصة الثالثة: منتصف رمضان الفائت زرت قرى وادي (الفطيحة) في أغوار تهامة حيث اكتشفت في مركز الرعاية الصحية أن 27 مواطنا يذهبون إلى جازان أو أبها لدورة الغسيل الكلوي. وفي ذات المكان، يهدمون المسجد القديم لتشييد جامع جديد بتكلفة أربعة ملايين ونصف المليون، من طرف فاعل خير، وأشهد الله أنني مع الفكرة النبيلة ولكنني بكل صراحة مع الأولوية. وبالحساب، وكما يقول الطبيب الذي قابلته فإن هذا المبلغ كفيل بغسيل أجساد هؤلاء المعذبين من السموم لخمس سنوات كاملة. أين هي الأولوية؟ وحين امتحن فجأة ناصر الرشيد في ولده الصغير، ذهب به إلى مايو كلينك ثم قرر بناء ذات المبنى في الرياض لأورام الأطفال وشراء ذات الأجهزة ونقل التصاميم حتى بالتفاصيل والمسطرة ومن المؤكد أن آلاف الأسر التي مرت على المشفى لا يعلمون أن فكرة هذا المكان كانت حين قرر ناصر الرشيد أن يحظى كل الأطفال الممتحنين على ذات الفرصة التي كانت قدر إنقاذ لولده. ومن بعدها كانت القصة فاصلا في قصته الشخصية مع أفكار العمل العام التطوعي. أفكار تذهب للمسنين والأيتام والعجزة والمرضى وأفكار تلاحق الإنسانية بلا حدود أو فواصل أو عرق أو لون أو ديانة.

تعالوا للقصة الرابعة: حين كتبت قبل عامين عن مأساة ثلاث بنات مع أمهن الطاعنة في السن، أخذني محسن فاضل إلى حدود ذات المأساة ولم ينته ذات المساء إلا بعد أن اكتمل عقد بناء المنزل ثم راح لوحده وبنفسه بعد أشهر ليكمل الأثاث تماما كما هو منزله. وحين زرتهم قبل أسبوعين رأيت بنفسي كيف أنقذ هذا الإنسان حياة محطمة متهالكة لأربع نساء وهن لا يعرفن حتى اسمه إلى هذه اللحظة رغم أنهن قابلنه ألف مرة.