قال لي صاحبي، وهو يحاورني: كل شيء بالأمس أجمل منـه اليوم، حتى النساء، كنّ أطول وأبهى وأنضر وأنعم، وضرب لي مثلا بنجمات، السينما، باعتبارها (ديوان العرب)، فسأل: أين جمال غادة عبد الرازق من نادية لطفي؟ وأين بهاء منّة شلبي من سعاد حسني؟ وأين صوت نانسي عجرم من سميرة توفيق؟ ثم ترك النساء وعرج على بقيّة ملذات هذه الفانية، فلم تعد للقهوة رائحة بنّ أمه النفاذة، ولا للفاكهة طعم رمانة طائفية ما زالت نكهتها تدغدغ ذاكرة مسامّه.. قلت - بعد أن حمدت الله أنه ليس ناقدا - بل دنياك كالأمس جمالا وطيب مذاق، إن لم تكن أجمل وأكثر تنوعا وثراءً، ولكن أنت يا صاحبي اليوم تشبه مسافرا ينظر من نافذة القطار فيُهيأ له أن القطار واقف والدنيا تسير، وما يحدث هو العكس يا سيدي.
أنت الذي تمضي والدنيا قابضة على حسنها، أخذت منك أدواتك خلسة، خذلك نظرك الحديد سابقا، فلم تعد تبصر تفاصيل منّة شلبي التي كانت تدهشك في نادية لطفي، وبقيت رائحة البنّ نفاذة، ولكن هواها يميل باتجاه حاسّة وقادة كانت لديك وسلبتها منك رحلة القطار.. وشوشها عليك ضجيجه، وأذناك عجزتا عن إدراك دقائق ذبذبات صوت نانسي عجرم، كما كنت أيام سميرة توفيق.. بقي صاحبي مطرقا يتألم لسماعي، ولمّا رفع رأسه كانت فتاة مذهلة تعبرعلى مقربة منّا، باتجاه البحر، وحين وجد نظارته، ومسح عنها الندى؛ وضعها على عينه، أدار رأسه ناحيتها.. لم تعد هناااااك. ولا صوت خطواتها، ولا رائحة عطرها.