مثلما تستعاد الموضوعات والأفكار في كتابات الشأن اليومي بالصحافة المحلية منذ عقود، من قبل الزملاء الأفاضل عن نقد الخدمات البلدية ومثيلاتها من مرور ونقل ومواصلات وغلاء أسعار وعمالة سائبة وهروب خادمات... إلخ ، يستعيد الكتّاب في الصحافة الثقافية ذات القضايا والمشكلات، ومنذ عقود أيضا، وكأننا مجتمع ساكن جدا، بارع في تدوير قضاياه، وإعادة إنتاج مشكلاته، والحلول الجذرية العملية نائية عن الواقع جدا.

فـ (الأديب الشاب الذي أحيل إلى التقاعد في زهرة العمر وريعان الشباب، فكافح في سبيل الحياة، ولكن الحياة لم ترحمه، بل قست عليه حتى أثقلت كاهله بالديون) حالة استعرضتها مجلة الرائد عام 1960، وعلق عليها عبد الغني قستي رحمه الله في مقالة بجريدة (البلاد السعودية) جاء فيها (إن الأديب من أجدر الناس بالرعاية، وبعض الأدباء في بلادنا قد تفاجئه حوادث القدر، فلا يجد من المال ما يكفيه للعلاج إذا مرض، ويسد به حاجته إذا مسه البؤس، لهذا أقترح تكوين رابطة أدبية يشترك في عضويتها كبار الأدباء، مهمتها الأساسية جمع االتبرعات والاشتراكات السنوية أو الشهرية من كل أديب ومن أثريائنا الذين اشتهروا بميولهم الأدبية وتشجيعهم للأعمال الخيرية). إلى أن يصل لانتقاد أسلوب الشحاذة في الصحف قائلا: ( أما اللجؤ إلى الصحف وعرض المشاكل فيها بأساليب مستجدية ففيه ما يشبه التشهير، وما يمس كرامة الأديب ويجرح إحساسه وشعوره). تنتهي من مقالة قستي التي نشرها في العشرين من ديسمبر 1960، لتقول شادا شعر رأسك، صارا أسنانك (يا الله) ، فمنذ أكثر من نصف قرن وفكرة إيجاد كيان للأدباء (رابطة، جمعية، اتحاد) تلوكها الصحافة، و(صندوق الأدباء ) ككرة يدحرجها الكتبة من عقد لعقد، دون أن يكون لها قرار كي تستقر، وعشرات الكتاب والأدباء والفنانين ينحدرون من مرتفعات البهجة والطمأنينة لسفوح الأوجاع والعزلة والأحزان، والمجد للأدعياء والمدعومين والمستلقين.

ترى هل يمكن لباحث جاد أن ينكفئ على ما طرحته المقالات الصحفية على مدى نصف قرن، ومحاولة مقارنتها بما ظل يطرح طيلة عقود، لإرشادنا نحو ما يمكن أن نعرفه أو نقاربه حول: (لماذا نظل ندوِّر قضايانا هكذا في حلقة دائرية مفرغة)؟!