نكرر الحديث عن هذه القضية لأنها من أهم القضايا في مجتمعنا، ونوجه هذا السؤال بحرقة للتراخي الواضح وغير المبرر الذي يتم التعامل به مع المخترعين واختراعاتهم على الرغم من أننا نعرف جميعا أن هذه المخترعات وهؤلاء المخترعين هم الثروة الحقيقية التي لا تنضب.. وهؤلاء المخترعون يحققون توجهات هذا العصر وأهدافه وما يسمى بـ"اقتصاد المعرفة".. والأمة، أي أمة، تتقدم بفضل الله ثم بفضل مواطنيها ومواطناتها المبدعين والمبدعات والموهوبين والموهوبات. التكنولوجيا التي ننعم بها في هذا العصر هي نتاج مخترعات لفئة مبدعة تناولتها أيدي مسؤولين جادين، وحولت إبداعاتهم إلى صناعات وبضائع تعتمد عليها اقتصادات تلك الدول المتقدمة وخدموا بها المجتمع الكوني. خذوا على سبيل المثال، إشاعة الرنين المغناطيسي والـGPS وتقنية الجوال هي نتاج أبحاث ومبتكرات تحولت إلى قوى اقتصادية.. وشركة سامسونج التي تدر على كوريا الجنوبية أكثر من 60 مليار دولار هي نتاج براءة اختراع.. وقبل حوالي شهر اطلعت على تجربة في جامعة MIT تحولت فيها براءة اختراع خلال شهر إلى شركة توظف الآن أكثر من ألف شخص كانوا عاطلين، وعرفت أن المشكلة هي في نظامنا، الذي أقترح التالي لتحسينه حتى نتمكن من استثمار مخترعاتنا، وأقدم هذا الاقتراح حتى لا يقال إنني فقط أنتقد.

أولا: أقترح إنشاء هيئة للمخترعين.. ثانيا: تتولى دعم المخترعات وتحويلها إلى شركات تنتج بضائع بالطرق المعمول بها في الدول المتقدمة.. لأن المشكلة تكمن في أن المخترع في الوضع الراهن يجب أن يتعامل مع ثلاث وزارات حتى يُستثمر إنجازه وهي: وزارة التجارة والصناعة لإعداد المواصفات وما يتعلق بإنشاء المصنع، ووزارة المالية للحصول على الدعم، ووزارة البلديات للحصول على الموقع.. ولكم أن تتصوروا البيروقراطية المصاحبة لذلك.. والخسارة الحقيقية أننا في هذه البلاد الكريمة احتفلنا على مدى سنوات بالكثير من المخترعين والمخترعات، وسُجلت براءات اختراع كثيرة.. واحتفت بهم المراكز العلمية في طول الأرض وعرضها من ماليزيا إلى أميركا مروراً بالمراكز العلمية في أوروبا. وحصلوا من هذه المراكز على اعترافات وجوائز، وكل ذلك يفترض أن يكون مرحلة ضمن المراحل التي تمر بها هذه الاختراعات وليس هدفاً. مرحلة يُفترض أن تتبعها مراحل حتى تصل هذه الاختراعات إلى شركات ومصانع تنتج بضائع يتم تصديرها، لتسهم هذه الاختراعات في الارتقاء بمستوى الاقتصاد فتؤثر إيجابيا على الميزان الاقتصادي ليصبح ما يصدر أكثر مما يستورد، وتسهم في حل مشكلات البطالة بتوظيف المواطنين وما يترتب على ذلك من مشكلات نعرفها جميعا، البطالة ومنها الجريمة، والعنوسة، وتملك البيوت، إلى آخر منظومة المشكلات الاجتماعية.

إن من غير الحكمة، ألا يستثمر أي وطن جهود مبدعيه وموهوبيه. في البلاد المتحضرة والمتقدمة لا يمضي شهر من تسجيل براءة الاختراع حتى يتحول ذلك الاختراع إلى شركة تسهم في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية.. والتفصيلات في ذلك كثيرة.. والمفترض ألا تكون مسؤولية تحويل المخترعات إلى بضائع مسؤولية المخترع.. هيئة المخترعين ستحتضن هؤلاء المبدعين، عدونا الأول هو الوقت. ونحن لم نر جهةً محددة ترعى هؤلاء الشباب المتفوقين الذين سجلوا براءات اختراع عديدة على مستوى الوطن لتحويل تلك الاختراعات إلى شركات منتجة. نقدر لتلك الجهات التي رعت تلك المواهب حتى أوصلتها إلى هذا المستوى، لكن ليس من مهام تلك الجهات إكمال المسيرة. ولهذا قد يكون من المناسب جداً تأسيس هيئة ذات شخصية اعتبارية مستقلة بكوادرها وميزانياتها لتحويل اختراعات مواطنينا إلى شركات منتجة حتى لا ننزلق في نمطية الروتين وسرد مبررات غياب الدعم والتمويل أو أي مبررات أخرى تضع مثل هذه الإنجازات على الرفوف تكوِّم الغبار. ونحن لا نريد ذلك. نريد هيئة مستقلة تعد خططاً وسياسات تتجاوز الروتين وتتجاوز التبريرات لنرى مصانع قد قامت وشركات قد أسست لنجني ثمار هذه الاختراعات في وقت قياسي لتتحول هذه الابتكارات إلى صناعات تحول بلادنا إلى دولة متعددة مصادر الدخل غير القابلة للنضوب. واقتصاد المعرفة غير القابل للنضوب.

الخطوات المتحققة في وصول موهوبينا إلى هذه النتائج الباهرة هي خطوات على الطريق الصحيح، وأرى تأسيس هيئة للمخترعين تركز فقط على هذه المهمة. مساعدة المخترعين على تأسيس شركات ومصانع ينعكس أثرها إيجاباً على مشكلة البطالة بشكل خاص وعلى اقتصاد الوطن بشكل عام. إنها تحقق لنا اقتصاد المعرفة هذا الهدف الذي أصبح سمة بارزة من سمات عصرنا الحاضر. ومن غير المناسب ألا تعيش بلادنا اقتصاد المعرفة في عصر اقتصاد

المعرفة. وأكرر هنا ما قلته في مقال سابق في عرض أمثلة لإنجازات مخترعينا، ونسأل أين انتهى بها الأمر؟ حيث حملت لنا الصحافة فوز 7 سعوديات بجوائز "آنتل العربية للعلوم والهندسة" وفوز أستاذتين سعوديتين من جامعة الملك عبدالعزيز هما البروفيسورة ناجية عبدالخالق الزنبقي أستاذة علم الطفيليات في كلية العلوم، والمحاضرة في قسم الأحياء في الجامعة نفسها نهى الزيلعي بميداليتين فضيتين في معرض الكويت الدولي للاختراعات.. ونجح سعوديون في مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله في تحقيق 9 ميداليات وجائزتين في ختام معرض جنيف العالمي للمخترعين الذي أقيم في سويسرا في شهر محرم أيضا من هذا العام، من بين 1000 اختراع وابتكار و750 مخترعا ينتمون لـ45 دولة .. وحصل المخترع الدكتور عبدالرحمن السلطان والدكتور سعد ابراهيم المهيزع على جائزة المنظمة العالمية في مجال الطب. والدكتور ذيب عايض فهيد القحطاني على الميدالية الذهبية عن اختراعه في مجال أنظمة التشفير، وحققت الدكتورة مها محمد عمر خياط من جامعة أم القرى الميدالية الذهبية عن اختراعها في مجال النانو. وحصل باسم عبدالهادي علي نواز على الميدالية الذهبية عن اختراعه "السياج الشبيكي المانع لزحف الرمال"، كما حقق محمد حشان آل مهذل ميدالية في الكيمياء، كما فاز ثامر عبيد العجمي بالميدالية الفضية عن اختراعه "خيمة بدون أعمدة" وحامد علي القحطاني من جامعة الملك خالد بالميدالية الفضية عن اختراعه "قاتل ذبابة الرمل" (SFK) وحمد مبارك الصقيهي من صندوق التنمية الصناعية السعودي بالميدالية الفضية عن اختراعه "تخفيض حرارة محرك السيارة وزيادة برودة المكيف" وفي جنيف بسويسرا في أبريل 2011 حققت المملكة 11 جائزة.

نأمل ونتمنى أن يُسارع في تأسيس هيئة للمخترعين لتحويل مخترعاتهم إلى شركات توظف مواطنين وتصدر بضائع وتحقق بدائل دخل وتدعم وضعنا الاقتصادي وتضعنا في مصاف العالم الأول.