ثار واضطرب المجتمع العربي والإسلامي في أعقاب نشر فيلم مسيء لتاريخ الرسول عليه الصلاة والسلام، البعض شاهد بعضا من الفيلم، البعض سمع به وليس لديه أدنى فكرة، والبعض انضم للجموع ليس أكثر، وبهذا نجح الهدف الذي وراء فكرة تثوير العاطفة الدينية لدى العالم الإسلامي وتفجير طاقة العنف لديهم، والتي تم تقبلها وتطويعها وتحويلها إلى عنف متفجر، همجي.

وهذا الأخير ليس في الواقع سوى انحراف للعدوانية، وهنا أشير إلى جزء مهم كتبه عالم اللسانيات الأميركي ناعوم تشومسكي تحت عنوان (استراتيجيات التحكّم في البشر والسّيطرة على الجمهور) أو ما يمكن تسميته بـ"استراتيجيات التحكّم والتوجيه العشر" التي تعتمدها دوائر النفوذ في العالم للتلاعب بجموع النّاس وتوجيه سلوكهم والسيطرة على أفعالهم وتفكيرهم في مختلف بلدان العالم. ومنها افتعال الأزمات وتبدأ بخلق مشكلة، وافتعال "وضع مّا" الغاية منه انتزاع بعض ردود الفعل من الجمهور. ونجح الهدف تماما بحيث اختلط حب الناس للرسول عليه الصلاة والسلام بالعنف وسار الناس على طريقة أنه منكر يجب أن تغيره بيدك وإن لم تستطع فبلسانك وإن لم تستطع فبقلبك.. ولكن كيف بدت هذه الخيارات؟ وكيف يمكن أن يطبقها على أرض الواقع؟

إن العنف المضاد لا يتيح في المحصلة النهائية أي نتيجة، وكذلك العنف بكل أشكاله، والعنف هنا طبيعته فكرية تمثل في "فيلم مسيء".. يظن العنفُ أنه يقضي على الشر، لكنه هو نفسه شر؛ يحسب أنه يطهر العالم، غير أنه هو نفسه يغذي العنف، فالعنف المضاد هو عنف معاكس. والخطوة باتجاه اللاعنف والحرية أو ثورة الرفض لها طرق مختلفة، ومن أكثرها واقعية هي طريقة مارتن لوثر التي تتمثل في نقاط حول فلسفة اللاعنف: وهي أنه لا يتأسَّس على الجبن؛ فمع أنه قد يبدو منفعلاً من الناحية المادية فهو فاعل روحيًّا، إذ يتطلَّب الشجاعة للوقوف في وجه الظلم. لا يستهدف هزيمة الخصم، بل، بالأحرى، كسب تفهمه من أجل إيجاد "المجتمع الحبيب" الهجوم يكون موجها ضد الشر، وليس ضد الناس الذين يرتكبون الشر؛ فالنزاع، بنظر لوثر لم يكن بين البيض والسود، لكن بين العدل والظلم. أن يكون ثمة استعداد لتقبُّل الألم بدون اقتصاص من مسبِّبه.

ليس المطلوب تجنب العنف المادي وحسب، بل العنف النفسي كذلك؛ فالمحبة تحلُّ محلَّ الكراهية.