"عرفتك ونحن لسه صغار ولسه في ذمة الأقدار
وفي الحارة مع الجيران .. كبرنا وأنت برضو كمان
ولمن أمي ترسلني لأمك أجري واستنى
وأنت تفرحي بيه .. عيونك هايمة في عنيه"
إلى آخر كلمات هذه الأغنية الشفافة جدا التي تغنى بها صوت الأرض طلال مداح ـ رحمه الله ـ من أعماقه؛ وكيف لا!؟ وهي كما أخبرني مرة ابنه "عبدالله" حين أعدّدتُ مقالا عن والده "أمير الموال وأبو المساكين" كان غناها في ذكريات حبه لأمه، زوجته الأولى أم عبدالله؛ التي تزوجها وهي في الثالثة عشرة وكان في التاسعة عشرة؛ وأنجبا سبعة أبناء.
ومن يسمع هذه الأغنية بلحنها العفوي حتما تعيده إلى ذكريات حب الطفولة، وحلاوة أيامها وعفويتها وحتى علقاتها "السخنة"؛ واللعب في الحارة "عروسة وعريس"؛ و"واحد طش" و"الشقحة" أي النطة، وهي لعبة "بناتية" بامتياز، ولطالما منعتني والدتي منها خوفا أن تنكسر رجلي؛ وحين تكتشف أني ألعبها مع بنات الجيران أحصل على تهديد بـ"علقة"، لكنها أبدا لم تضربني ـ حفظها الله ـ ولا يعني أني لم أحصل على علقة "سخنة" من والدي؛ والذي لم يكن يضربني أبدا ويستوعب أخطاء شقاوتي، ربما لأني "آخر العنقود" ويكتفي بتوبيخي بنظرة صارمة أو بحكاية يحكيها لي يعلمني منها، أو عدم محادثتي لفترة حتى أصالحه.
ودعوني أعود للعلقة "السُخنة" اليتيمة في حياتي؛ ولماذا يتيمة؟! لأني كنتُ "طفلة" هادئة جدا؛ تتركني أمي في مكان لتجدني فيه ولو بعد ساعات؛ ولكن كما يقولون "يا ما تحت السواهي دواهي" يعني آخر أنواع الشقاوة اقترفه في مكاني؛ وأعترف لكم أني أخرجت والدي "الحكيم" من أعصابه ووجدت علقة "سخنة" وأنا في السابعة كما أذكر؛ فقد كنّا نسكن في شقة بالدور الثالث؛ ولأن والدتي تمنعني من اللعب في الحارة؛ حظيتُ بحارتي في "البلكونة"؛ إلى أن جاء يوم شاهدتُ فيه ابن الجيران بذات العمارة يصعد إلى مكيف يعلو بلكونتهم بقليل وشقتهم بالدور الأول، أحببت "الفكرة" وقلتُ لنفسي سيكون المنظر أجمل من الدور الثالث بالجلوس على "مكيفنا".
المهم، تخيلوا بدأت بالتخطيط لتطبيق الفكرة، أحضرت كرسيا وصعدت عليه فلم أصل؛ لأني قصيرة القامة!! فماذا فعلت؟! استعنت بدرابزين البلكونة الحديدي، والمشهد أمامكم من الدور الثالث؛ وربنا ستر لم تنزلق قدمي منه؛ وإلا قالوا "انتحار طفلة" واستطعت أخيرا الجلوس على المكيف!؛ وبيني وبينكم كل ما أمرّ على بيتنا القديم للآن؛ أسال نفسي كيف فعلت ذلك؟! وكان المنظر جميلا جدا خاصة والناس يمرون في الشارع؛ مع إحساس ممتع أني معلقة في الهواء؛ والأجمل أن أسرتي افتقدوا وجودي؛ فبحثوا عني في كل مكان بالبيت ولم يعثروا علي؛ واسمعهم ينادونني "مبسوووطة" ألعب معهم "الاستغماية" خاصة حين يفتحون "البلكونة" مرات ولا يرونني، ولم يخطر في بالهم أني فوق المكيف؛ إلى أن جاء والدي ودخل البلكونة في فورة قلقه؛ ليرى قدمي تلعبان في الهواء في ظل جلوسي على المكيف؛ وبس "عينكم ما تشوف إلا النور" وربنا ستر.
أكيد لديكم ذكريات أجمل مع الطفولة؛ ومع صوت الأرض وما أجمل أيام زمان.
http://www.youtube.com/watch?v=6tFFX04ST-I