غبطة مشتركة، وفخر متبادل بين القيادة والشعب في هذه البلاد المباركة، لمستها ومعي غيري طيلة أيام الاحتفال باليوم الوطني في الأسبوع الماضي.. الصغار والكبار، الرجال والنساء، الدارس والخريج، الموظف والباحث عن وظيفة كلهم ـ أو أغلبهم ـ فرحون ومبتهجون، يهتفون ويرددون: "الله ثم المليك والوطن، عاش أبو متعب.. عاش أبو فهد"، الأعلام منتشرة، الصور مرفوعة، السيارات مزينة، الأغاني الوطنية في كل اتجاه، الألوان الخضراء في كل مكان، المسيرات لم تتوقف.. استفتاءٌ على الحب المتبادل، وكرنفال وطني عام بامتياز، بات ينتظره الناس في كل عام..

وسط هذه الاحتفالات الجميلة حصلت ـ وستحصل ـ بعض التجاوزات المؤسفة، ولكن المؤسف الأكبر والأكثر إيلاماً هو في محاولات بعض أبناء الوطن في ثني الناس عن الاحتفال والاحتفاء باليوم الوطني، واستغلال ما حصل ضد الفرح بالوطن، والقيام بالترويج المباشر، والتوزيع الفوري لأي تجاوز، والنشر بأثر رجعي لكل تجاوز (قديم) ليس إلا لغرض إماتة الفرحة في قلوب الناس.

التجاوزات موجودة ومتوقعة، ولا سبيل لإنهائها إلا بتعليم الناس كيف يكون الفرح، وتجهيز كل ما يكفل تمامه، لا بتضخيم ما قد يحصل من تجاوزات وتهويلها، وتحذير الناس من حب الوطن، وإشعارهم أن الاحتفال باليوم الوطني خطيئةٌ ينبغي أن يعاقب الناس عليها، بل وينبغي أن يُحرموا منه.

هذا الشعـب النبيل كغيره من الشعوب العالمية، لم يخرج ويحتفي إلا فرحةً بالوطن، ومن حقه غير الغائب أبداً على قيادته الكريمة التي تبادله حباً بحب أن يعيش بلا منغصات أو مكدرات، وأن تكتمل له كل مقومات العيش الكريم، وأن تستمر كل الجهود التنموية لرفع مستوى معيشته، وتحسين نوعية حياته، وتوفير المزيد من فرص العمل له، وتطوير الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية من أجله، وتحقيق (الأهداف الإنمائية العالمية) لكل فرد منه، من رفع مستوى معيشته، وتحقيق القدر اللازم من التعليم، وتعزيز المساواة بين الكل، وتخفيض أعداد الوفيات، وتحسين الإنجاب، ومكافحة الأمراض وغير ذلك من أهداف شاملة.

الدولة بلا أدنى شك تعرف تمام المعرفة احتياجات الناس إلى ما سبق ذكره، ولذا جاءت (الخُطة الخمسية التاسعة) والمستمرة حتى عامين قادمين؛ لتحتم إسراع الخطى في مسيرة التطوير والتنمية، خاصة وأن العالم يشهد حراكاً تنموياً وتطويرياً متسارعاً يستدعي بالضرورة تعزيز الجهود وتسريعها، مما انعكس على تصميم الدولة في تحقيق الخطة من خلال برنامج الإنفاق التنموي الواضح؛ كل ذلك من أجل تحسين مستوى معيشة الناس، ورفع نوعية حياتهم، وتنمية كافة مناطق البلاد بطريقة متوازنة..

"حب الوطن من الإيمان" قولٌ متوارث ومشهور، وهو ليس بحديث نبوي، وعنه يقول الحافظ شمس الدين السخاوي في كتابه المعروف (المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة) أحد أشهر الكتب المتمـيزة بفن الصـناعة الحديثية: "لم أقف عليه، ومعناه صحيح".. حب الوطن يقتضي المصارحة، والصدق، ويقتضي أيضاَ الفرح بمناسباته، والحفاظ عليه من العابثين كما المتآمرين، ومنع إثارة الفتنة في المجتمع، أو النظر إلى الحياة بنظرة متبرمة سوداوية.

علينا جميعاً رعاة ورعية أن نكون حذرين من الممانعين للفرح بالوطن، ومن يبني حكمه على الفرحين بما يظنه من ظنون، ويشبههم بما يشيعه من شائعات، ومن ينشر هنا وهناك أن إجازة الفرح باليوم الوطني تعطيل للمصالح، وظلم للشركات والمؤسسات الخاصة.