عندما تكون الإرادة يكون الإنجاز، وبعزيمة الرجال نصل إلى الأهداف، وبإذن الله من يصنع المعجزات على الأرض هم بعض عباد الله، خصهم الله بميزات فحققوا إنجازات نفخر بها على مدى التاريخ. الإنجاز والإبداع ليسا حكراً على شعب دون غيره، أو أمة دون غيرها، وإنما صانعو المعجزات هم رجال آمنوا بالله وبقضائه وقدره، وأيقنوا بأنه لن يضرهم أو ينفعهم أي كائن من كان سوى الله عز وجل، أرسوا العدالة والتزموا بشرع الله، كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.

ومن معجزات القرن الماضي تحول صحراء الجزيرة العربية إلى دولة سميت المملكة العربية السعودية، ترسي الشريعة الإسلامية، وتنافس دول العالم الكبرى في صناعة البترول والغاز ومشتقاتهما، وتتنافس مع دول العالم الإسلامي في خدمة الإسلام من خلال رعاية المقدسات، وتتقدم الدولة النامية في التنمية الشاملة فحولت صحراء الجزيرة إلى منارة علم بجامعاتها المتميزة ومؤسساتها التعليمية، وحولت رمال الصحراء إلى مدن تتنافس في البنيان، وإلى مزارع خضراء تحقق بعض الأمن الغذائي، وبنت على أرضها المصانع بجميع أنواعها، وأضاءت ظلمة أرضها، وحولت ملوحة بحرها إلى مياه صالحة للشرب والاستخدام الإنساني، وركزت على بناء الإنسان أولاً، صانع المعجزات.

نعم لقد صدق الأمير خالد الفيصل أحد صانعي معجزات التنمية في بلادنا عندما قال إن نهضة الأمم وحضارة الشعوب مرهونة بالعلم أولاً وثانياً وثالثاً. كلمة رائعة ألقاها سموه في حفل تدشين جامعة الأعمال والتكنولوجيا بمدينة جدة، أول جامعة أهلية متخصصة في إدارة الأعمال، وأول كليات إدارة أعمال في المملكة تحصل على شهادة الاعتماد الأكاديمي السعودي، حيث يقول سموه لأبنائه طلبة الجامعة وأبنائه في جميع أنحاء المملكة "إن المعجزة أنتم.. الذين حولتم ذلك المجتمع البسيط البدائي الأمي إلى مجتمع حضاري تربوي علمي، أنتم الذين صنعتم على هذه الأرض الأمن والاستقرار، وقد تحديتم التيارات والمغريات وأنشأتم على هذه الأرض دولة عصرية حديثة دستورها القرآن ومنهجها سنة محمد صلى الله عليه وسلم، وعندما تخلى غيركم عن القيم الإسلامية تمسكتم بها، وعندما اشتغل غيركم بالفتن والنزاعات والإضرابات أرسيتم أنتم دعائم الأمن والاستقرار في هذه البلاد، فوصلتم إلى ما وصلتم إليه. لقد حاول الحاقدون والمشككون والمحبطون أن يثنوا عزيمتكم فرفضتم وأثبتم أن على هذه الأرض معجزة اسمها الإنسان السعودي".

نعم إنها حقيقة وواقع، تنطبق على جامعة الأعمال والتكنولوجيا التي افتتحها الأمير خالد الفيصل الأسبوع الماضي. الجامعة التي واجهت عقبات وصعوبات جسيمة منذ بداية إنشائها، حيث حُرمت من أراضي المنح داخل المدينة، وحُرمت من تطبيق قرار مجلس الوزراء الخاص بتأجير أراض حكومية بأسعار رمزية للجامعات والكليات الأهلية، بل أُجبرت على توقيع تعهد بعدم المطالبة بتطبيق قرار مجلس الوزراء. الجامعة التي حُرمت من الحصول على قروض الدولة الميسرة لإنشاء الجامعات والكليات الجامعية بسبب الشروط المستعصية، في الوقت الذي منحت جامعات وكليات أخرى باستثناءات الشروط، الجامعة التي أنشئت في أرض صحراوية تبعد أربعين كيلو شمال غرب مدينة جدة، ولا يتوفر فيها الماء والكهرباء والطرق المعبدة، فتحمل المؤسسون تكلفة البنية التحتية، فعملت الجامعة 12 عاما مضاءة بمولدات كهربائية خاصة، حتى تدخل الأمير خالد الفيصل أمير المنطقة فتم إدخال الكهرباء النظامية، وتدخل سموه برصف وسفلتة الشارع الرئيسي الذي يربط طريق المدينة بالجامعة، في الوقت الذي تقاعست الأمانة عن سفلتته منذ إنشاء الجامعة حتى العام الماضي. وأضاءت نصف الطريق إلى مبنى أحد الإدارات الحكومية وتوقفت عن إضاءة النصف الآخر المؤدي إلى الجامعة والذي يسير عليه يومياً قرابة ثلاثة آلاف طالب. عقبات عديدة وصعوبات عظيمة واجهت هذه الجامعة المتميزة التي كادت أن تعصف بهذا المشروع ليفشل، لكن عزيمة الرجال وإصرار المخلصين من أبناء الوطن، مؤسسين وعمداء وأعضاء هيئة التدريس وطلابا وأولياء أمورهم لإنجاح هذا المشروع دفعت المؤسسين إلى رهن ممتلكاتهم وبيع استثماراتهم لاستكمال البناء الذي تجاوز الـ400 مليون ريال، ولم يكن الهدف هو بناء الحجر وإنما هو بناء الإنسان والتميز في إعداده ليتحمل مسؤولياته لبناء وطنه، فكان ذلك، ونجحت الجامعة بجودتها الأكاديمية وحصلت على أعلى شهادات الجودة، واستطاعت أن تنجح في تحقيق هدف شعارها (التعليم من أجل العمل)، وأصبحت أكبر الشركات المحلية والدولية تتنافس على استقطاب خريجيها، ويحصل خريجوها على فرص العمل قبل حصولهم على شهادات التخرج، وتميز خريجوها من حملة درجة الماجستير التنفيذي فحصلوا على وظائف قيادية متميزة في القطاع الأهلي، واستطاعت برامج المسؤولية الاجتماعية بالمشاركة مع شركة إعمار من الوصول إلى القرى والهجر في مدينة رابغ وذهبان وجدة. نعم لقد صدق الأمير خالد عندما قال "إن نهضة الأمم وحضارة الشعوب مرهونة بالعلم أولاً وثانياً وثالثاً".

نعم إن عزيمة الرجال لن تحبطها عيون الحاسدين والحاقدين والمُحبِطين، وعلى رجال الأعمال في المملكة أن يعوا مسؤولياتهم تجاه مجتمعهم وشبابهم، فبناء الرجال أهم من بناء الجبال، فهل يتسابق رجال القطاع الخاص في بناء المزيد من الجامعات والكليات الجامعية الأهلية لتسهم في التنمية في بلادنا أم سيبحثون عن المشاريع التي تحقق لهم المزيد من الملايين كأرباح دونما اكتراث بخدمة المجتمع وأبنائه؟

وأخيراً لن أسمح لقلمي أن يختم مقالتي اليوم قبل أن أقدم الشكر والتقدير للأمير خالد الفيصل الذي ساند ودعم عندما تقاعس الآخرون، وحضر الاحتفال لنهايته، وشارك فرحة خمسة آلاف طالب وطالبة عندما غاب الآخـرون، ووقـف خلف مشروع الجامعة لينجح في الوقت الذي حاول الآخرون إحباط المؤسسين لإفشاله.