ما زالت قصص مسرح أبها متواصلة إلى اليوم. فالخشبة المهجورة في هذه اللحظات، والفراغ الموحش بينها وبين مقاعد المتفرجين، والطيور التي عششت في سقفه، كلها حكايات مستمرة باستمرار الزمن، وهي تضاف بشكل أو بآخر لقصص أخرى، بطابع مختلف، يأخذ بعدا أكثر "موسيقية" من الأولى.
قد لا يعلم الكثيرون أن أول من غنى على هذا المسرح، قد اعتزل الغناء العاطفي، متجها نحو الغناء الديني. إنه محمد المازم، الذي قال أول ما قاله قبل بدء فقرته الغنائية نهاية التسعينات الميلادية، إنه يفتخر كونه أول مطرب يغني على خشبة ذلك المسرح الرائع.
في حين أن آخر من وقف على الخشبة نفسها، تقريبا، هم عدد من شعراء المحاورة، فيما أسموه حينها بـ"شاعر المعنى"، إذا ما استثنينا بعض المناسبات والاحتفالات المختصرة التي تقام هناك، من باب "إحياء الأرض الموات".
أما القصة الأهم حتى الآن، من مسرح أبها، فهي قصة الأستاذ –المرحوم- طلال مداح، الذي لم يكن في تلك المرحلة بحاجة إلى أي شيء، قدر حاجته إلى الغناء في مسرح المفتاحة. لقد جاءت فكرة حفلات أبها، ومسرحها، في وقت مناسب جدا لطلال مداح.
فمن تابعوا سيرة طلال الإبداعية والغنائية، يلمسون شيئا من الانكفاء الذي اضطر إليه طلال في نهايات حياته الفنية، أو في مرحلة ما قبل حفلات أبها.
كان طلال في حالة حزن عميقة. هكذا أقرأ حياة الفنان العبقري. إنه اتجه إلى الغناء التجاري محبطا من واقعه على أعتاب نهاية تجربة ذهبية وفريدة من نوعها، قدمها هذا الحداثي الكبير في عالم الفن والموسيقى. حتى جاءت حفلات أبها ليستعيد بها الفنان الكبير روحه المسرحية. روح الغناء على خشبة المسرح التي فارقها طويلا طويلا، في أواخر حياته.
وحين خرج إلى مواجهة الجماهير لأول مرة على مسرح أبها. اندلعت عواصف من الشوق والتصفيق والتصفير، كاد على صوتها طلال – كما أشارت ملامح وجهه حينها- أن يطير، ليجوب سماوات أبها ناثرا صوته، الذي اعتبره العشاق، صوتا منطقيا وموضوعيا للـ "أرض"، فرحم الله صوت الأرض.. ورحم الله مسرح أبها.