لا شك أن هناك سلوكيات وممارسات سلبية أصبحت ملازمة للاحتفالات باليوم الوطني من قبل بعض الشباب، مثل مخالفة الأنظمة المرورية وإغلاق الشوارع وإيذاء الناس واقتحام المحال التجارية، والسؤال المطروح هنا: لماذا نجد مثل هذه السلوكيات وهذا العبث في اليوم الوطني بالتحديد ولا نجدها في مظاهر الاحتفالات الأخرى كاحتفالات عيد الفطر المبارك؟

لا ألقي باللوم والمسؤولية على الشباب فحسب وإنما على المجتمع ككل، فالجميع مسؤول عمّا جرى من فوضى وعشوائية في احتفالات اليوم الوطني، وفي اعتقادي أن هناك أسبابا وعوامل عديدة تدفع بعض الشباب إلى ممارسة هذه السلوكيات المشينة، أختصرها فيما يلي:

أولاً/ بعض الدعاة والوعاظ يرفضون بشكل غير مباشر الاحتفال باليوم الوطني لأنهم يرون أن: "تخصيص يوم من أيام السنة دون غيره من الأيام يكون به ذلك اليوم عيداً، علاوة على ذلك فإنه بدعة في نفسه ومحرّم وشرع دين لم يأذن به الله و(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)"، ورغم أن المجتمع قد تجاوز هذه المسألة، إلا أن هناك رسائل ضمنية تبث إلى الشباب بشكل غير مباشر بهذا المفهوم، وبالتالي نجد أن بعض الشباب ينظر إلى اليوم الوطني بنظرة السخرية والاستهزاء فيتخذ منه يوماً للعبث والتخريب واللامبالاة.

ثانياً/ المفهوم الخاطئ، أو بمعنى أصح المفهوم غير الواضح سواء لمفهوم "اليوم الوطني" أو مفهوم "الوطن والهوية الوطنية"، فالبعض يرى أن هذه المفاهيم تتنافى مع الشرع والدين، لكون الأخوة والانتماء لا يكونان إلا في الدين، مع أن الدين يرسخ مفهوم الوطنية في الناس بل يعتبر الوطن من أهم مقاصد شريعة الإسلام، والبعض الآخر يرى أن معنى الوطن يتمثل فقط في مؤسسات الدولة والجهات الحكومية والمسؤولين، وآخرون يرفعون شعارات ضبابية غير مفهومة تتعلق على سبيل المثال بتراب وهواء الوطن.

المفاهيم السابقة في مجملها أدّت في نظري إلى وجود مفارقات وتناقضات في التعامل مع احتفالات اليوم الوطني، والتقليل من أهميته، لذا نجد بعض الشباب اتخذ من هذا اليوم للعب واللهو بذريعة حب الوطن الذي قد لا يدركون ما هي حقيقته، ولو كانت المفاهيم واضحة لديهم لوجدنا سلوكيات مغايرة وحميدة تعبر عن حب هذا الوطن الكبير.

فالوطن يحوي معانيٍ رمزية وروحية وحضارية تتعلق بالشعور المشترك بين أفراد المجتمع الواحد، والهوية الوطنية تتعلق بمنظومة الحقوق والواجبات المشتركة والاقتصاد المشترك والثقافة المشتركة، وفي المجتمع لا يقبل تقسيم المواطنة إلى درجة أولى وثانية، فجميع الناس متساوون في الحقوق والواجبات في الوطن الواحد بغض النظر عن انتماءاتهم القبلية أو المذهبية، كما أن "الوطن" رمز للعدل والمساواة والسلام بين الناس، واليوم الوطني يمثل رمزاً وتذكيراً للناس بوحدتهم وآمالهم وطموحاتهم، والنظر في مشاكلهم والتحديات التي قد تواجههم، ومن يسخر من اليوم الوطني فإنه يسخر ويسفه أحلام وآمال الناس، ويهزأ بحقوقهم.

ثالثاً/ من مظاهر وأشكال الاحتفالات باليوم الوطني في المملكة، قيام بعض الأسواق (المولات) التجارية بالمهرجانات الاحتفالية البسيطة والمتعلقة بالأطفال مثل الأناشيد وعمل المسابقات وتوزيع الهدايا، كما تقوم بعض الأمانات في بعض المناطق بعمل مسرحيات وطنية (للأسف ضعيفة فنياً)، أما بالنسبة للمسيرات فهي تشكل النقطة الأبرز لمظاهر الاحتفالات وخاصةً لفئة الشباب، وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض الأمانات قامت بتخصيص طرق وشوارع لهذه المسيرات.

ورغم وجود المظاهر الاحتفالية باليوم الوطني إلا أنها تفتقر في مجملها إلى وجود برامج ممنهجة لمثل هذه المناسبات، فالطرق المخصصة للمسيرات على سبيل المثال خالية تماماً من أية برامج احتفالية مثل تقديم عروض فلكلورية أو عروض فنية بمختلف أشكالها، وترك الأمر للشباب ليقدموا عروضهم بطريقتهم الخاصة بشكل عشوائي.

رابعاً/ نظراً لمحدودية بدائل برامج الاحتفال باليوم الوطني، وعدم وجود صالات عرض سينمائية ومسرحية، فإن الشباب ليس أمامهم سوى المسيرات في الطرق والشوارع، ومن الناس من تستهويه مثل هذه المظاهر الاحتفالية، لذا نجد فيها الرقص والغناء، والتفنن في تزيين السيارات، وإظهار تصرفات غريبة، ونظراً لعدم وجود ضابط لمثل هذه التجمعات تظهر فيها كثير من السلبيات والسلوكيات السيئة من بعض الشباب.

وتأسيساً على ما تقدم، فإن العوامل والأسباب السابقة التي تم استعراضها في هذه المقالة تمثل في نظري تفسيراً للسلوكيات الخاطئة لبعض الشباب في تعاملهم مع الاحتفالات باليوم الوطني، صحيح أن هناك عوامل أخرى تربوية واجتماعية قد تفسر هذه السلوكيات، ولكنها لا تخرج عن إطار العوامل السابقة.

وعلى أية حال، وحتى نقلل من السلوكيات الخاطئة للشباب، وخاصة في المهرجانات الاحتفالية كالاحتفال باليوم الوطني وغيره، أقترح أن تكون هناك صالات عرض سينمائية، تبث فيها أفلام وثائقية أو فنية تتعلق بالمملكة وتاريخها، بالإضافة إلى وجود صالات عرض مسرحية غنائية وتمثيلية، على أن يشارك القطاع الخاص في إنتاج الأفلام السينمائية وإنشاء دور العرض على أسس تجارية.

وأما بالنسبة للمسيرات، فأقترح أن تكون هناك برامج مخصصة لها من قبل الأمانات والبلديات، وبمشاركة الشباب أنفسهم؛ بحيث تقوم كل مجموعة من الشباب بعرض ما لديهم من فنون وإبداعات بالتنسيق مع الأمانات وفي طرق وأماكن محددة مسبقاً، ويمنع أي مظاهر للاحتفالات في أماكن أخرى غير مصرح لها مع تشديد العقوبات على المخالفين لذلك.

اليوم الوطني مناسبة غالية عند الجميع، والسلوكيات السلبية من بعض الشباب تسيء إلى هذه المناسبة، فمصلحة الوطن تتسق مع مصلحة المواطنين، وأي عمل يتجه إلى الإضرار بالمواطنين والمقيمين هو في حقيقة الأمر إضرار بالوطن.