قبل دقائق قليلة من منتصف المساء كان صديق الحياة الدكتور سعد مارق، عضو مجلس الشورى، عضو مجلس إدارة هيئة السياحة والآثار يتحدث معي هاتفيا بنصف تركيز وانتباه، لأن النصف الآخر مشغول بالإجابة على رسالة إلكترونية عاجلة من الأمير سلطان بن سلمان. يذكر لي الصديق العزيز أن الرسالة الأولى لذات الموضوع من الأمير كانت في حدود الثامنة صباحا، وها هما الاثنان في ذات الموضوع منتصف المساء. وبزعمي أن سلطان بن سلمان ـ كما يحب أن أناديه ـ هو الأنموذج الإنساني والإداري الفريد الذي كان في حياته الخاصة والعامة قصة سعودية مختلفة.
تأسرك في شخصيته قصة الجمع بين فريقين: الأول، ذلك المبلغ الإنساني الموغل في البساطة والتلقائية، وعدا عن عشرات الحالات التي أعرف أن سموه قد عالجها معي لعشرات القصص من أبناء وطنه؛ فإن أجمل ما بيننا أننا نتبادل الحديث بالأسماء دون رتوش الألقاب المصطنعة.
الوجه الثاني لسلطان بن سلمان هو في أنموذج الإدارة الفريد، وهنا يكفي أن أشير إلى أنه ينام ما بين منتصف المساء حتى أذان الفجر. ومثلما قلت له قبل سنين: إنه بهذا النظام الإداري الصارم، إنما هو (قروي) جاد في بيئة احتفالية لا تأخذ قضية تنموية وطنية على محمل الجد. وحين زرته مرارا في هيئته اكتشفت أنها الإدارة الوطنية الوحيدة التي لا تصرف ريالا واحدا لشراء ورقة، لأنها تعتمد على (الإلكترون) و(السايبر) الذي أتاحته ثورة التقنية، وهنا أجزم أنه السعودي الوحيد الذي يقضي في رهن الوظيفة خمس عشرة ساعة في اليوم الواحد، ومع كل هذا فقد كان قدر سلطان بن سلمان مع هذه الوظيفة كي ينجح أن يكون بضعة من الوزراء ومن أصحاب المعالي والسعادة في شخصية واحدة، فكل هؤلاء يتداخلون معه ويؤثرون بالإيجاب والسلب في قرار السياحة الوطنية.
كل هؤلاء يشاركونه مستقبل القرار الوطني حول رافد السياحة كمعادلة اقتصادية واجتماعية، وكل هؤلاء خارج الحساب عندما يتم تقييم كل ما فعلته هيئة السياحة. نحن ننسى أن قدره مع هذه الوظيفة رهن لحسابات اجتماعية وثقافية واقتصادية وإدارية لا يمسك منها إلا نهايات الخيوط، بينما (متن) الحبال في أيادي عشرات الشركاء المشغولين بحسابات مختلفة.