تعتبر الجامعات الناشئة في كل من جازان وحائل وتبوك والجوف والخرج وشقراء والباحة ونجران والمجمعة، مؤسسات كبرى تعول عليها هذه المناطق كثيرا في تعزيز عناصر تنميتها والتصدي لقضاياها ومشاكلها، خصوصا وأن هذه الجامعات تمتلك طاقات بشرية أكاديمية وإدارية وفنية كبيرة، كما تضم منشآت حديثة لممارسة كافة الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية والترفيهية، إضافة تجهيزات مادية كبيرة وحديثة يمكن استثمار فائض طاقتها لصالح تنمية المجتمع.
جملة من التقارير التي أصدرتها هذه الجامعات الناشئة أثبتت أنها ورغم حداثتها وتركيزها على الدور التدريسي كأولوية ساهمت وبشكل فعال في خدمة مجتمعاتها من خلال المشاركة في المناسبات، وعقد الشراكات وإجراء البحوث والدراسات، وإطلاق البرامج الداعمة للتنمية والمعالجة للمشاكل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية وتنمية القوى العاملة الوطنية.
تنمية القوى العاملة
ومن المشاريع الهامة والفاعلة مشروع "الأسر المنتجة" الذي أطلقته جامعة جازان لتهيئة بيئة تدريبية ملائمة ومتكاملة لتخريج الأيدي العاملة القادرة على تنشئة فتاة صانعة للعمل غير باحثة عنه، قادرة على خدمة نفسها وأسرتها ووطنها، من خلال تمكينها وصقل قدراتها وتحفيز مواهبها واستثمار طاقاتها وتشجيعها على الاستثمار في المشاريع الصغيرة البناءة.
ويهدف المشروع بالإضافة إلى تقوية علاقة الأسرة بالجامعة، إلى المساهمة في معالجة ظاهرة الفقر والحد منها، وتحويل الطاقات العاطلة إلى فئات منتجة بتنمية الاعتماد على النفس وتعزيز الشعور بقيمة العمل المهني والإنتاجي والمهارات المهنية، وتشجيعهن على العمل الجماعي مما يمكنهن من إقامة مشاريع مصغرة بعد التخرج، والمشاركة في البرامج الداعمة لمشاريع الأسر المنتجة التي تنظم عمل جميع الأسر لتشكيل وحدة إنتاجية متكاملة تسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
تدريب نظري وعملي
ويشتمل المشروع الذي ينقسم إلى التدريب النظري التربوي والعملي المهني، على عدة برامج في الخياطة والتفصيل، وتركيب العطور، وتصميم الإكسسوارات، والكمبيوتر والإخراج الفني، والأشغال اليدوية والتراث الشعبي، والديكور والتجميل، والطبخ، والتجميل واللياقة البدنية، والتغليف والتعليب، وهي برامج تمكن الأسرة من تغذية السوق بحاجاته من ناحية وتوفر دخلا كبيرا للأسرة المعوزة، خصوصا أن الكثير من الوافدات يحققن إيرادات كبيرة من هذه المجالات ما يشير إلى حاجة السوق لمثل هذه التخصصات.
تهيئة المتدربين
ويتكون المشروع من خمس مراحل.. الأولى: التهيئة، إذ يتم تهيئة المتدربات نفسيا وتربويا وفكريا، وغرس مجموعة من القناعات اللازمة مع توزيع استمارات خاصة تعبأ بها بيانات المتقدمات للتعرف على مواهبهن وميولهن وقدراتهن ليتم تقسيمهن على ضوئها.
وتشمل المرحلة الثانية: التدريب، إذ يتم تدريب الفتيات على المهارات العملية، فيما تتضمن الثالثة: مرحلة الإنتاج، إذ يتم منح المتدربة وقتا كافيا للإنتاج بمساعدة أسرتها بإشراف المدربات، والرابعة: التسويق، إذ توجه المتدربة للإعلان عن منتجاتها وتسعيرها وعرضها على المشترين، والخامسة: الانطلاق، إذ يأتي دور مشروع الأسرة المنتجة في تعريف المتدربات – وخاصة الفاعلات منهن والجادات - على الجهات الداعمة والممولة للمشاريع الصغيرة وتكوين حلقة وصل بينهما لتبدأ المتدربة بانطلاقة جديدة وفريدة لتقف على قدميها بمفردها وتبني مشروعها الصغير.
المشاركة في المناسبات
وشاركت الكثير من الفاعلات في هذا البرنامج في المعرض الأول في العام الجامعي 1428 - 1429، في مبنى اللغة العربية بالجامعة والذي استمر لمدة أسبوعين متتاليين، أبدعت خلاله الطالبات، إذ تم تسويق منتجاتهن وتسديد فواتير الخامات مباشرة، وفُتحت الزيارة للجهات التعليمية الأخرى من مدارس ومكاتب إشراف وتوجيه وتم تعريفهن بكل ركن وبالأسر المشاركة، كما شاركن في العام التالي بمعرض الأسر المنتجة الذي أقيم في مقر الأسر المنتجة بعد إعادة تهيئته ليلائم جو التدريب وورش العمل، وفي معرض "جازان الفل مشتى الكل" لعام 1430، والذي استمر أسبوعا كاملا.. وأخيرا في المهرجان الشتوي الثالث الذي أقيم بالقرية التراثية بجازان.. والذي افتتحه سمو أمير منطقة جازان خلال فترة الإجازة النصفية للعام الدراسي 1432 / 1433.
مشاريع مرتبطة بالبيئة
ومن المشاريع الرائدة ذات العلاقة الوطيدة ببيئتها المشروع الذي أطلقته جامعة الجوف لدعم إنتاج وصناعة زيت الزيتون والذي بلغ إنتاج منطقة الجوف منه أكثر من 70 ألف طن سنويا، و50 ألف طن زيت باستثمارات وصلت لملياري ريال، وذلك في ظل إقبال المزارعين المتزايد في هذه المنطقة على مضاعفة زراعة أشجار الزيتون لمضاعفة إنتاجها من الثمر والزيت.
ويأتي مشروع الدعم بهدف تعزيز مكانة زراعة الزيتون الاقتصادية لصالح أبناء المنطقة نتيجة لقوة المردود الاقتصادي لهذه الزراعة في منطقة الجوف المشهورة بإنتاج الزيتون وزيت الزيتون، والتي تعتبر حاليا منطقة جذب عالٍ لزراعات حوض البحر الأبيض المتوسط، إذ يوجد في مشاريع ومزارع الجوف أكثر من 13 مليون شجرة بحسب الإحصاءات الأخيرة.
إنجاز علمي
ويقوم مشروع دعم إنتاج وصناعة الزيتون وزيوته بإحصاء أشجار الزيتون بمنطقة الجوف من خلال إنجاز علمي سجل لصالح جامعة الجوف، إذ استخدمت الصور الضوئية الملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية في إحصاء عدد أشجار الزيتون، وأثبتت النتائج الأولية لتحليل الصورة التي التقطت قرب مطار الجوف من قبل مركز الاستشعار عن بعد الموجود بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، إمكانية تطبيق هذه الطريقة بعد مقارنتها بالأرقام الحقيقية لأشجار الزيتون، ونبعت الفكرة من الحاجة إلى مثل هذه الدراسات بمشاركة من وحدة الزيتون بالجوف.
وفي البحث تقدم جامعة الجوف طريقة آلية لحصر أعداد أشجار الزيتون بواسطة الأقمار الصناعية بشكل دقيق جدا يعتمد على تقنيات خاصة بمعالجة الصور الضوئية المتعددة الترددات وعالية الوضوح، وكان دور الجامعة في هذا الإنجاز الحصول على صور عالية الدقة ملتقطة عن طريق القمر الصناعي (IKONOS2) بدقة تصل إلى (متر).. من قبل مركز الاستشعار عن بعد، وتطوير تقنيات (برمجيات) في معالجة تلك الصور عالية الدقة، لغرض استخراج أشجار الزيتون من الأشجار والأجسام الأخرى باستخدام خصائص مكونات الصورة الملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية كاللون، الشكل، الحجم، الاختلاف مع الأجسام الأخرى إضافة إلى خصائص كثيرة تميز أشجار الزيتون عن غيرها، ليقوم البرنامج تلقائيا "آليا" بحساب عدد أشجار الزيتون فقط.
برامج داعمة
ولهذه الدراسة عدة فوائد منها إمكانية حصر إنتاج أشجار الزيتون الذي سيساعد على خطط التسويق، والتوسع في زراعة أشجار الزيتون، ومعرفة انتشاره، وأفضل الأماكن لزراعته وبالتالي كثافة تواجده كمؤشر على خصوبة التربة، كما ستكون هذه الدراسة عاملا مساعدا في تحديد الدعم المالي للمزارعين من قبل الدولة إضافة لمساعدتها في معرفة الأوبئة التي تصيب أشجار الزيتون مبكرا، أما الفوائد الأخرى بشكل عام من هذه الدراسة في المملكة.. فإنها تتلخص بإمكانية تطبيق هذه الدراسات على أشجار النخيل وأشجار المانجو وأشجار الغابات في المملكة، وكذلك المساعدة على معرفة المشاكل البيئية كالتصحر: مثلا الاحتطاب الجائر لأشجار الغضى والأرطى والسمر وغيرها.
التنمية الاجتماعية
وللجامعات الناشئة كذلك مساهمات كبيرة في مجال التنمية الاجتماعية.. منها على سبيل المثال لا الحصر مساعدة المؤسسات الاجتماعية وتقديم المشورة لها، وإقامة المؤتمرات واللقاءات التي تناقش الشأن الاجتماعي، ودعم البحوث العلمية التي تناقش المشكلات الاجتماعية في المنطقة، والقيام بحملات توعية ضد الأخطار المتربصة بالمجتمع مثل المخدرات والتدخين، وإقامة الدورات التدريبية للمقبلين على الزواج لتعريفهم بحياتهم الأسرية الجديدة بالتعاون مع المؤسسات الاجتماعية المختصة.. ورصد الظواهر والسلوكيات السلبية في المجتمع، واقتراح حلول لها، وإنشاء مراكز بحثية متخصصة تعالج القضايا الاجتماعية.
مشاركات اقتصادية
وفي المجال الاقتصادي ساهمت الجامعات الناشئة في نقل الخبرات الاقتصادية والنمو المعرفي، وتقديم الاستشارات الاقتصادية والدراسات والبحوث التطبيقية، وتوفير البيانات للمؤسسات الاقتصادية، وكراسي البحث الاقتصادية، وإعداد كوادر مؤهلة لسوق العمل من خلال تلبية حاجات مؤسسات المجتمع في تدريب الكوادر، وتقديم الاستشارات وإقامة ورش العمل التدريبية بالاشتراك مع المؤسسات الصناعية والاستثمارية، وإجراء بحوث علمية مرتبطة بالمشاريع الاقتصادية، وتقديم الخدمات الاستشارية الاقتصادية.
مشاركات ثقافية
أما في المجال الثقافي فقد ساهمت الجامعات الناشئة بعقد ندوات ومحاضرات وإصدار كتيبات تثقيفية تجاه القضايا المعاصرة، والتفاعل مع برامج الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون في المجتمعات المحلية، وإقامة المحاضرات والندوات الثقافية، وتبني المواهب العلمية والأدبية، وإقامة ودعم المؤتمرات ذات التوجهات الثقافية، والمشاركة الفاعلة في المناسبات الثقافية، وإقامة دورات لأبناء المجتمع المحيط لتعلم اللغات الأجنبية، وإقامة معارض للكتاب بالتعاون مع دور النشر المختصة.
برامج صحية
في حين ساهمت الجامعات الناشئة في المجال الصحي بالتأسيس لمستشفيات جامعية بطاقة سريرية بمتوسط 300 سرير، إضافة لعيادات الأسنان والمراكز البحثية، وتقديم الخدمات الصحية للأفراد ومؤسسات المجتمع لتحقيق الأهداف ذات المصلحة العامة، وإتاحة الخبرة الطبية لكافة المستفيدين من داخل وخارج الجامعة، ونشر الوعي الصحي بين أفراد المجتمع، ودراسة الأمراض المنتشرة في المنطقة، وإعداد وتنفيذ دورات تدريبية للطلاب وأفراد المجتمع في الإسعافات الأولية ومبادئ التمريض، وتدريب العاملين في القطاع الصحي، وتسيير قوافل طبية لتقديم الخدمات الصحية، وإنشاء مراكز صحية دائمة.
خدمة المجتمع
وبدعم وتوجيه من وزارة التعليم العالي تعمل الجامعات الناشئة من خلال برامج تطويرية متعددة على إزالة العوائق التي تحد من قدرتها على خدمة المجتمع، وتعمل على التوسع في هذه الخدمات لتصبح مركزا للإشعاع الحضاري في هذه المناطق تلبي حاجاتهم وتحقق تطلعاتهم، وتتطلع وزارة التعليم العالي إلى تعزيز التواصل بين الجامعات الناشئة ومؤسسات مجتمعاتها الحكومية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني لتحقيق أفضل الشراكات التي تدعم تنمية المجتمعات المحلية وتنمية الوطن بالمحصلة.