عندما أقول إن السعودية هي ملخص "قصة كفاح رجل غير تاريخ الأمة" لا يمكن اعتبار ذلك تزلفاً أو مبالغة، فالمعارك العسكرية لم تكن أصعب التحديات التي واجهت الملك عبدالعزيز، بقدر معاركه السياسية خاصة عندما اتخذ قراراً بدخول الحجاز، ليتعامل مع ردود فعل عالمية متباينة، كما استطاع المرور بمشروعه بين متغيرات دولية، لتكون هذه المملكة نتاج صراعات الحربين العالميتين، ورفضه التحالف مع أدولف هتلر أو التاج البريطاني، ليتجه بعيداً بتحالفه مع أميركا في كسر لقواعد اللعبة السياسية والمنطق آنذاك.

واليوم تتحرك السعودية في تعديلات مرنة لمنهجها الاستراتيجي بحسب احتياجاتها المرحلية ومصالحها دون مجاملة، فكانت تركيا الشريك الجديد، ولتضيف لتحالفاتها الآسيوية مع باكستان، كوريا الجنوبية والهند، كما عدلت الرياض مسار تحالفها مع بكين التي دفعتها علاقاتها الاستثمارية مع طهران إلى خوضها رهانا على الأسد لتشترك مع موسكو باستخدام الفيتو ثلاثة مرات لإجهاض محاولات المجتمع الدولي لحماية المدنيين في سورية، القرار الذي دفعت ثمنه غالياً بتعطيل مشاريع شراكتها الاستثمارية والنفطية والسياسية والثقافية طويلة الأمد مع السعودية.

الرياض التي تنطلق في مشروع تنموي لا تراجع فيه لبناء الدولة والإنسان لم تتوقف، فكان اتجاه البوصلة نحو التجارب الأكثر نجاحاً، ليفتح المجال لدول صنعت معجزات وتجارب هامة لتكون الشريك، فدخلت دولة تايوان وألمانيا وماليزيا والإمارات وأميركا وعدد من الدول في تحالفات لتلبية تطلعات حكومة تسعى للوصول إلى العالمية دون أن تفقد ثوابتها، في معادلة هي الأصعب، فشلت في خوضها دول تنازلت عن قيمها الدينية والاجتماعية للحصول على حلم الحضارة، مما أفقدهم هويتهم دون الوصول إلى الحضارة المنشودة.

ليكتشف العالم أن الدولة الهادئة التي تتحدث بعد أن يصمت الجميع، وتعمل في صمت، قد أصبحت أول دولة عربية في مجموعة العشرين، واخترقت منظمة التجارة العالمية، وأصبحت عضواً مؤثراً في الأمم المتحدة، وحولت مجلس التعاون لدول الخليج العربي إلى قوة ضاربة عالمياً، هذه هي السعودية التي على الجميع ترقبها، وعيناها لا تبتعدان عن العضوية الدائمة في مجلس الأمن.