التراب الذي انزلقنا عليه ليلة ميلادنا، الأشجار التي لعبنا تحتها والشمس التي شعثت رؤوسنا وغسلت قلوبنا، والقمر الذي لمع في عيون الأطفال حين استيقظوا يلاعبونه منتصف الليل في أحضان أمهاتهم، كل هذا أشجارنا وشمسنا وقمرنا وعيوننا وأمهاتنا.. هذا وطننا
حكايات الجدات وأحاديث العصاري وسوالف الجيران، الضحكات والأحزان، كانت عصارينا وجيراننا وضحكاتنا ودموعنا، كلها وطننا.
أحبابنا تحت هذه الأرض وفوقها هم نحن، حنين الغائبين عنها وفرح العائدين إليها إنما هو خفق قلوبنا، هذا وطننا.
حبة عرق صافية تحدرت من جبهة فلاح في الجنوب على تراب الحقل هي صفاؤنا ومسند ظهورنا، لطخ الزيت وسواد الدخان في قسمات عامل في مصنع بالدمام هي نور إخلاصنا، طفلة أثقلتها حقيبة المدرسة في أقاصي الشمال هي أملنا كلنا، هذا وطننا..
من عمر هذه الأرض أعمارنا ومن تناوح ريح صحرائها كان إصرارنا وثباتنا، هاماتنا كل ذرة تراب فيها وكل نبتة انغرست بعناد في صخور قممها. الأب الذي يعود آخر النهار بما قسمه الله له هو أبونا جميعا، واليتيم الذي يتلفت في الوجوه هو نحن جميعا، والأم التي حضنت وربّت هي كنانة الوطن، هي أمنا جميعاً. الطالب الذي يحتمل الغربة إنما يحتملها لأجلنا كلنا، أملنا فيه ومستقبلنا في عقله ويديه، هذا وطننا. نحن أبناء هذه الأرض منذ جرت وديانها وتمايلت سنابلها حتى تفتقت نعم الله منها وعليها، آلاف السنين ونحن هنا، بماضينا وآتينا، بأحلامنا وذكرياتنا، بتجاربنا وخطئنا وصوابنا. نحن تاريخ هذه الأرض ومستقبلها هي المهد والحقل والمدرسة والإيوان والقبر. تاريخ تضحياتنا السخية ودمائنا الزكية.. إنه وطننا. عيون الأطفال وأحضان الأمهات وظل الأشجار وعرق الفلاح وطيف الراحلين، وآمالنا، وكل ما عشنا فيه وحوله وعليه ومن أجله كان أخضر اللون يوم الأحد الماضي.. يومنا الوطني، يوم المملكة العربية السعودية.