بهذه الجملة الاستنهاضية لا غير، استطاع محمد آل مردف، مدير فرع جمعية الثقافة والفنون في نجران أن يستحث ما يقرب من 1000 رجل على الإجادة الفائقة، أثناء البروفات النهائية لاحتفالات منطقة نجران باليوم الوطني، برغم ضيق الوقت، وضخامة العمل، وتغيير البرنامج قبيل ساعات من موعد الاحتفال.

"ربعي يا ربعي"، كانت كافية لأن يجيبه هؤلاء الرجال بالقول: "أبشر بسْعدِكْ"، ثم يؤدون مهامهم بدقة تقدم الصورة الناصعة "لربعه" من أهالي نجران الذي يحتفون بالقيم احتفاءً فوق العادة، لأنهم مؤمنون بعروبتهم الضاربة في أعماق التاريخ، ولأنهم حالة خاصة من الشعور بالوطن حباً وانتماءً، ولأنهم أهل تطلع لاهب إلى إخراج المكنوز في ذواتهم وأرضهم، من إبداع يحتاج إلى الكشف والتصدير، وليس له إلا هم.

عندما سمعت منه هذه الجملة، ورأيتُ أثرها، وسمعت ردّة فعل الصديق الشاعر إبراهيم طالع حين قال: "اللهم صل على النبي ياهذه الجملة"، شعرت بقشعريرة الفخر تسري في أنحاء جسدي، وأدركت أنّ الطاقة المخبوءة في القيمة، أقوى دافع نحو الصعود الدائم في سلم الحضارة.

عندها تساءلت؛ ما الذي يمكن أن تؤول إليه حياتنا إذا خلت من القيم؟

لست أشك في أن خلوّ الحياة من القيم يؤدي إلى خفوت الدوافع الخلاّقة للإبداع في معناه المطلق، بل إن غياب القيم يفضي إلى التقهقر، إذ تنقلب الحياة إلى غابة مخيفة، خاوية من الفضائل التي تجعل من حياة الإنسان عطاءً متصلاً، وإيثاراً دائماً، وحضوراً فاعلاً، ونخوة تقهر المستحيل، وتدفع بالإرادة نحو مساحات شاسعة من القدرة.

إن غياب القيم، يعني خفوت الحب والتعاون والإخاء والمساواة، وتراجع المعرفة الإنسانية، وتصاعد أسباب التوحش والظلم والفساد والخداع والكذب والتزوير.

القيمة رافعة للعقول، ومطهرة للأرواح من دنس الأنانية، وحب الذات، وذلك ما يجعل الناظر إلى المجتمع النجراني، يدرك أن تكاتفهم الفائق، واحتفاءهم المتجاوز بكل قادم إلى رحابهم، ونجاحات مشاريعهم الجمعية إلى حدود الإبهار، إنما هي ناجمة عن الاحتفاء بالقيم حد الاحتفاء بالحياة في أنقى حالاتها.

في نجران، لافرق بين مثقف وغيره من حيث الاحتفاء بالقيم؛ فالجميع أهلها، وكأنها لازمات من لوازم أن تكون إنساناً ذا حضور فاعل، وذا دور في صناعة العالم، وذا قدرة على خلق احتمالات واعدة بالمزيد من التجليات التي تحمل في ثناياها الحق والخير والجمال.

في أثناء الحفل، كان يجلس إلى جواري في المنصة نجراني خمسيني، وحدث خلل يسير جدا في مسيرة الفرق الشعبية، فتذكرت جملة محمد آل مردف، وقلتها بصوت مسموع: "ربعي ياربعي"، فأجاب على الفور: "إي والله ياربعي تنظّموا"، ولكم استشفاف إيحاءات قوله.

بعد الحفل، قلت للأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز: "هنيئا لك بهؤلاء الرجال"؛ قلتها وأنا أعنيها، من منطلق كونهم يؤمنون بالقيم إيمانا مطلقاً لايميتها بالرأي القائل بنسبيتها، حتى تفقد معناها وأثرها.