هذا سؤال سهل لكن الإجابة تبدو معقدة للغاية: من هي الجهة الرسمية المسؤولة عن واقع الشباب السعودي وعن قضاياهم وعن تأهيلهم شبابا جيدا متمدنا متحضرا وقادرا على بث الطمأنينة في أنفسنا ونحن نتطلع للمستقبل؟ هل هي وزارة التربية والتعليم أم وزارة التعليم العالي أم الرئاسة العامة لرعاية الشباب؟ أم الشؤون الإسلامية أم الهيئات أم التخطيط؟ أم الداخلية؟
في الواقع ليست أية جهة من تلك الجهات وحدها هي المسؤولة، بل إن الخطأ الأبرز الذي وقعنا فيه أن كل واحدة من تلك الجهات تبدو وكأنها تعمل بشكل منفرد عن غيرها، مما أوجد غيابا لفكرة مشروع وطني متكامل، وأصبح المقابل له مجرد حزمة من المهام المؤقتة تؤديها كل وزارة من تلك الوزارات ثم تدفع بالشاب إلى الجهة التي تليها، كما هو الحال في وزارة التربية ثم وزارة التعليم العالي. وبالتالي تلخصت أدوار تلك الوزارات في الجوانب المهنية الفنية المتعلقة بالتعليم غالبا، وتراجع حضور الجهة التي تهتم بتنمية الشباب على مستوى ذواتهم وقيمهم والتزامهم المدني.
الرئاسة العامة لرعاية الشباب تحولت في واقع الأمر إلى رئاسة لرعاية الرياضة السعودية، مع أنشطة جانبية للشباب، لكنها في الغالب تدور حول الرياضة أيضا. المؤسسات ذات الأنشطة الشرعية هي أيضا ركزت خطابها الموجه للشباب طيلة السنوات الماضية على الجوانب السلوكية الظاهرية، من خلال أداة واحدة هي الوعظ والإرشاد التلقيني، والذي انتقل ليصل إلى بعض المؤسسات التعليمية التي أصبحت تستخدم ذات الأدوات، مما أسهم في تراجع التأثير الحقيقي وتحول الشباب إلى مجرد مستمعين، إذ انشغلنا طوال السنوات الماضية بتنبيه الشباب وتحذيرهم من قضايا خلافية لم تكن تؤثر في السلوك المدني الحقيقي، كالتحذير من الأغاني والتدخين والفراغ وغيرها من العناوين التي استنفدت كل إصغاء لدى الشباب وأصبحت تمثل خطابا غير مؤثر.
هل نبالغ إذاً حين نقول إن البناء الحقيقي للشباب السعودي لا توجد له جهة من الجهات يمكن سؤالها عما نراه الآن من تصرفات وسلوكيات غريبة ومفزعة، ليس آخرها ما شاهدناه في بعض احتفالات اليوم الوطني؟ ولماذا وصل واقع الشباب إلى حالة يمكن أن تنتج مثل هذه التصرفات أصلا؟ دعونا نتخلص أولا من عبارات التطهر، وأن هذه تصرفات لا تمثلنا، وأنها غريبة علينا، ومن مجرد فئة ذات سلوك غريب.. فمثل هذه العبارة ليست سوى ترسيخ للمشكلة وهروب أمام المسؤولية، فالذين يظهرون بمثل هذه التصرفات هم في النهاية أبناؤنا وسلوكهم الحالي يشير حقيقية إلى أزمة يجب التوقف عندها والاقتناع أننا بحاجة لمشروع حقيقي لإعادة تأهيل هؤلاء الشباب، وقراءة العوامل التي أدت بهم إلى هذا التيه المدني والغياب المفرط للسلوك الحضاري.
الآن لا بد من مواجهة هذا الواقع، ومثلما شهدنا مشروعات عملاقة لتطوير القضاء والتعليم وغيرها، فنحن بحاجة ماسة لمشروع حقيقي لإعادة تأهيل وتوجيه الشاب السعودي.
الشباب مفرغ من كل القيم المدنية، وتم حشو ذهنه بجمل صنعت منه مجرد مستمتع متأفف ولم تصنع منه عنصرا فاعلا ومؤثرا. إن التمرد الذي نلاحظه في سلوكيات الشباب يتعرض لكثير من المعالجات السطحية التي تعيده إلى غياب الوازع الديني وغياب القدوة الحسنة، وكلها أفكار مثالية للغاية لا تزيد الواقع إلا تعقيدا.
هذا الشباب الذي تصرف بشكل غير مسؤول في اليوم الوطني، ويتصرف بذات الطريقة في أكثر من مناسبة هو في الواقع لا يجد لذاته قيمة إلا من خلال هذه التصرفات، السبب في غياب القيمة أننا أسهمنا بشكل أو بآخر في سد كل المنافذ التي يمكن للشباب أن يستقي منها قيمته. إننا منشغلون بمكافحة أخطاء الشباب بدلا من انشغالنا بتوجيهها بشكل مناسب، خاصة مع حالة من الفراغ الذي يعيشه الشاب في كل مراحل حياته. ولنتخيل جدولا يوميا للشاب السعودي سواء أكان في المرحلة الثانوية أو الجامعية، سنجد أن أكثر الترفيه الذي يمارسه هو ترفيه يقوم به في ظل غياب مشروعات الترفيه وغياب الرؤية التي تدير وتقدم تلك المشروعات.
إن الترفيه لا يتمثل في افتتاح الملاعب والمقاهي والمسابح، إنه عمل مؤسساتي هادف يسعى لتحييد قيمة الفراغ، خاصة أنه لا يوجد الآن فراغ لدى أحد إنما يوجد إشغال مستمر لذلك الفراغ، فإذا لم تتم إدارة الفراغ من خلال مؤسسات ورؤية حقيقية ومشروعات واعية تهذب السلوك وتجعله مرتبطا بالترفيه والاستمتاع بالحياة، فسنجد أنفسنا في كل عام نعلن حسرتنا على تصرفات أبنائنا بل ونصفها بالغريبة، وكأنهم ظهروا علينا فجأة. إن واقع الشباب الآن هو في الحقيقة نتيجة، وليس سببا.