الكرم لا ينحصر بمكان أو زمان، أو يقتصر على جنس معين، ويتناقل أهالي شمال المملكة مقولة لمسنة تسكن في الريف الأردني يعرفونها جيدا نظرا لكرمها الشديد، وهي "دار الكرام ما تخلى من العظام، علي الجيرة ما تغادرو المطرح إلا وحنا مقدمين الواجب".

تستقبل "أم غازي" ضيوفها في إحدى قرى المفرق بالقرب من الحدود السورية الأردنية، وتهمّ بحلب شياهها قبيل غروب الشمس، إصرار أم غازي على تقديم الطعام لضيوفها العابرين يظهر تمسك البدو بعاداتهم التي تكاد تتلاشى في بعض المجتمعات المتحضرة.

وتؤكد أم غازي أن إكرام الضيف عند البدو يبدأ متى ما وطئت قدمه المضارب، فمن حقه على صاحب الدار الاستقبال بالحفاوة والترحيب، وتقديم ما لذ وطاب، كذلك من حق صاحب الدار، وعرفته "بالمعزب" الاستجابة، وعدم رفض الضيافة.

تقول "نحن البدويات نقوم بما يقوم به الرجال فيما يتعلق بإكرام الضيف، ولا نخجل من ذلك، بل هي مفخرة لصاحب الدار أن تكون نساؤه زلم "تقصد كالرجال" في حال لم يتواجد الرجل في المنزل".

واستطردت قائلة: "هي عادات تربينا عليها نحن البدويات منذ الصغر، وكبرت معنا، ونردد دائما "إذا أقبل أمير، وإذا جلس أسير، وإذا قام شاعر"، وذلك يعني أن الضيف يعامل معاملة الأمير فيما يختص بالترحاب الحار أثناء قدومه، أما إذا دخل الدار وجلس فيكون كالأسير، ولا يخرج إلا بعد تقديم الواجب له، فيكون بذلك أسيرا لمعازيبه (تقصد أهل المنزل)، وبذلك لا يستطيع منعهم من تأدية الواجب له من كرم الضيافة ونحوها، أما قولنا "إذا قام شاعر"، أي أن الضيف إذا غادر المكان فإنه يكون بمنزلة الشاعر الذي يمدح أهل الدار إذا أحسنوا ضيافته، أو يهجوهم في حالة تقصيرهم وشحهم.

واستعرضت أم غازي العلامات التي يعرف بها الكريم عند البدو، وقالت "من الآثار التي يعرف بها الكريم وجود "الدهن" وهو الشحم الناتج عن الذبيحة على "الرفة" وهو قطعة قماش يظلل بها بيت الشعر، حيث كانت العادة قديما أن يمسح الضيف يديه في هذه "الرفة"، بعد الفراغ من الطعام لحين الاغتسال، وأيضا من علامات الكرم كثرة عظام الذبائح حول بيت الشعر، وهو دليل على أن صاحب البيت رجل مضياف".

ويعرف المجتمع المحلي بالقريات "أم ثامر"، ويتناقلون مواقفها والكرم الذي عرفت به، واعتادت أم ثامرعلى تقديم ألذ الأطباق المحلية لضيوفها، حتى وإن كان زوجها غائبا عن المنزل، وذلك لشدة حرصها على إكرام الضيف، حيث يقول ابنها "ثامر": "اختلفت العادات في حاضرنا عن الماضي، ففي القديم كان إكرام الضيف وتقديم واجب الضيافة له أمر مقدس ومحل للفخر".

وعن والدته قال: "مازلت أتذكر حرص والدتي على إكرام الضيف إلى درجة أنها تدخله المنزل حتى وإن كان والدي غائبا، فنظرا لطبيعة عمله كسائق فإنه دائم الغياب عن المنزل، وبالتالي تقوم والدتي بواجب الضيافة، ولايمكن لها ترك الضيف أن يعود من حيث أتى إلا بتقديم الواجب له".

وعن عادات الضيافة بين الماضي والحاضر قال ثامر "حتى عادات الضيافة اختلفت عن السابق، ففي السابق كان إكرام الضيف يتم من صاحب الدار أو أحد من أبنائه بتقديم القهوة العربية، أما الآن فقد اختلف الوضع، فنرى في بعض المناسبات أن العمال الآسيويين هم من يقومون بهذا، كذلك الأطفال الصغار الذين لا يعرفون حتى آلية صب القهوة العربية وفنونها".

وعن تلك الآليات قال: "القهوة العربية عندما تقدم للزائر لها آليات من واجبنا المحافظة عليها، وتعليمها لأطفالنا، ومنها تقديم الفنجان باليد اليمنى، ومسك الدلة باليسرى، كذلك لا بد من إحداث صوت يشبه الموسيقى عند الصب، ولا يكون ذلك إلا عند الاحتراف، وهي لمس طرف الدلة بالفنجان عند صب القهوة، وهذه الحركة تدل على الاهتمام بالضيف، والابتهاج لقدومه".

وأضاف أن الحال تغير حيث تقدم القهوة العربية من قبل الأطفال أو العمال أو السائق في المنزل فأصبحت النتائج عكسية، وهؤلاء غير مؤهلين لآلية الصب تلك، فإما أن يكون اللمس قويا فينكسر الفنجان، أو يثلم طرفه، وهذا غير مرغوب به عند العرب، وأما أن تسكب القهوة على الضيف، وهنا تكمن الخطورة، حيث يترك ذلك انطباعا سيئا لدى الضيف".