دخلت الأغنية السعودية منعطفا، بعد رحيله، اختفى القطب المهم والرقم الصعب في (ديربي الأغنية)، ولبرهة من الوقت على مستوى العرب في ذروة حضور عمالقة الطرب.

رافق رحيله وتلاه رحيل كوكبة أخرى في العالم العربي، فتجاوز تأثير رحيله النطاق المحلي ليصبح عربيا بامتياز استنادا إلى الاحترام الكبير والمحبة التي كان يحظى بها عند زملائه من فناني العرب، ودونكم ملفات الـ"يوتيوب" تضعنا وجها لوجه حيال إشهارهم محبته.

نتذكره اليوم، والوطن يحتفل بيومه، لأنه ممن أبدع في تقديم صورة حضارية للوطن، إذا ما آمنا بأن المجتمعات تقدم ذاتها للناس عبر فنها كواحد من مقومات السمو والزهو الإيجابي والاعتداد بالهوية لثقافة المكان.

برحيله، احتارت الصحافة الفنية، فصمت من كان من أنصاره، أو اختط طريقا أخرى، وآمن أن الصحافة تبقى في النهاية هي "الموضوعية، ودقة المعلومة، وتحييد الذائقة الشخصية" قدر الإمكان أثناء ممارسة المهنة.

لم يعد المتلقي يتابع حلقات الإثارة في مسلسل تنافس "كبيرا الأغنية"، وخطف القصائد والألحان، وتسريب التسجيلات، والمعارك الصحفية التي كانت تندلع وقتها، حتى تتحول الأغنية الواحدة إلى مرجل يغلي حد الانفجار بنزول نسخة أصلية في السوق، وتبدأ حرب الكاسيتات. طلال لقطة بارعة من لقطات حكايات الوطن، تعطي إشارة على ملامح لما كان عليه الوسط الصحفي والموسيقي، اختلف تماما مع كل ما ظهر مع دخول الألفية الثالثة، وما أكثر الملامح التي تغيرت على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، ونمط الحياة، ويختلف الرواة فيما يختص بنمط التفكير. لكنهم بالضرورة يتفقون حين يروون سيرة "صوت الأرض" الذي نستعيده اليوم، وجل رفاقه من صناع تلك الحقبة الذهبية لولادة الأغنية السعودية الحديثة قد غابوا، وكان الفجع أكبر في ظرف أقل من سنة مع رحيل ثلاثة من أهم الأسماء التي عاصرت لحظات التحول والتغيير في دراما الأغنية المحلية، وهم (محمد شقيق وصالح الشهري وسامي إحسان)، الذين كانوا قريبين جدا بل داخل كواليس صناعة الأغنية، إن لم يكونوا مشاركين في تلك الصناعة في لحظات معينة، وبما يسمح وبوفاء يستحقونه أن نتوجهم أيضا أسماء أضاءت الوطن بعطائها.

جميل أن نستعيد في يوم الوطن كل الكبار الذين أحبوه، وفتحوا قلوبهم لتسكنه شمس الوطن مهما قست حرارتها، فظلوا يعطون الوطن حتى الشهقة الأخيرة، وهذا ما فعله صوت الأرض.

ومثله لا ينسى، فمن هو من عينة لا تقدم إلا فنا خالدا؛ يبقى طويلا رغم رحيل صاحبه، وتظل الأوطان تفاخر بهم، لأنهم يصيرون جزءا دالا على بلادهم.

هو الذي كل واحد منا يخاطبه ببيت الصيخان (أخـذت بـذوقـنا فـانسـاب نهـر ولـن يبقـى سـوى وطـني الـحبـيـبُ).