هاجم عدد من المفكرين والمثقفين المصريين بعض وسائل الإعلام المصرية التي أساءت للمملكة وعمدت إلى تهييج الجماهير على خلفية أزمة المحامي الجيزاوي المفتعلة، مطالبين بسرعة إنهاء الأزمة بين البلدين، وعودة سفير خادم الحرمين الشريفين للقاهرة، ومحاسبة كل من أساء للعلاقة المتينة بين الشعبين، مشددين على أن الإساءة للشعب السعودي هي إساءة للشعب المصري.
وراهن المثقفون المصريون على العقلاء والحكماء في البلدين لتجاوز تداعيات هذه الأزمة التي لا يقبل عاقل بتركها لتلقي بظلالها على تاريخ طويل من المودة والترابط والمصير المشترك.
من جانبه رأى الروائي الحائز جائزة الدولة التقديرية في الآداب فؤاد قنديل أن الاعتذار واجب للسعودية لما بدر بحق سفارتها بالقاهرة ويقول الكل يعرف أن العلاقة المصرية السعودية علاقة تاريخية عميقة الجذور والمودة بينهما مستقرة، ودلائلها تتجلى كل يوم وفى كل موقف، وقال "لذلك شعرت بالانزعاج الشديد لما يحدث سواء هذه الأيام أو ما كان قد حدث قبل عدة أشهر أمام السفارة السعودية أيضا، لأن هذه العلاقة التي تجمع الشعبين في نظري خط أحمر لا يجب أن يمس لأي سبب وعلى أي مستوى، فالأخوة أخوة دم، وأخوة فهم، وأخوة علاقات، وأخوة تعاون ومصالح، ويكفي قداسة الدين الذي يجمعهما".
وأضاف قنديل: الحكومة السعودية تتمتع بحكمة مشهودة تجلت في عديد من المناسبات وقد أكد الجانب السعودي أنه قبض على الجيزاوي متلبسا بجرمه. مشيرا إلى أنه لا بد من احترام استقلال القضاء في كل دولة، وأن ما حدث أمام السفارة السعودية مرفوض تماما لأن هناك قنوات شرعية وقانونية ودبلوماسية يتعين العبور من خلالها للوصول إلى الحقائق.
وقال قنديل: "أجدد تقديري البالغ للسعودية حكومة وشعبا وليس هذا من قبيل فقط الاعتذار عما جرى ولكنه نتيجة لمعرفتي الوثيقة أولا بتاريخ السعودية وثانيا بتقديري البالغ لأخلاق الشعب السعودي الذي تعاملت معه في مناسبات عدة على أرض السعودية وعلى أرض مصر وفي دول عديدة أخرى والتقيت بهم التقاء الأحباب والأصدقاء.
وحول دور الإعلام في الأزمة، يرى قنديل أن الإعلام في السنوات العشر الأخيرة في البلدان العربية عموما وفي مصر خاصة أخذ أسلوبا استفزازيا من قبيل اجتذاب الجمهور وهذا هدف غير نبيل، مضيفا أن "المسألة تحتاج إلى وقفة ويجب على الفضائيات ألا تستعين للحديث في قضية ما إلا بالعقلاء والخبراء والمتخصصين، والذين يشعرون بالمسؤولية إزاء كل كلمة ينطقونها".
من جانبه يرى المفكر الإسلامي الدكتور محمد أبو ليلة أن هذه الأزمة المفتعلة في العلاقات بين البلدين ما كان يجب أن تتصاعد بهذا الشكل مؤكدا "أن هذا يعكس وجود أياد خفية تعبث ولا تريد خيرا للبلدين.
ويضيف الدكتور أبو ليلة أن أصدقاءه من المملكة عبر مسيرته العملية سواء في لندن أو في أميركا ومصر وخلال زياراته للمملكة، لم يشعر تجاههم يوما إلا أنهم إخوة وأشقاء وأهل.
ودعا الدكتور أبو ليلة إلى سرعة احتواء مثل هذه الأزمة لأن رصيد الشعبين والبلدين والقيادتين لدى كل منهما يسمح بذلك، "مع ضرورة أن نسجل تقديرنا للقيادة السعودية ممثلة في خادم الحرمين الشريفين وهو رجل يتصف بالحكمة والحب الشديد لأمته وتقديره الكبير لمصر". وأضاف: "نحن لا نقبل بأي مساس لرمز عربي إسلامي كبير مثله ولا نقبل أن يتحكم حفنة من الغوغاء سواء على الأرض في المظاهرات المصطنعة أو في الفضائيات للإساءة إلى وشائج عمرها آلاف السنين".
مدير عام البرامج الثقافية بالإذاعة المصرية الدكتور حسن مدني يرى من جهته أن الأزمة المفتعلة "ينفخ فيها أعداء الشعبين". وأضاف: "إنها أزمة مفتعلة لأن أساس المشكلة كان من الممكن أن تتم معالجتها بطريقة طبيعية عبر القنوات الدبلوماسية والقانونية، غير أن شياطين الإنس أرادوا بها حربا إعلامية على البلدين لضرب الأمة العربية كلها".
أما عميد كلية الإعلام بجامعة فاروس بالإسكندرية الدكتور فوزي عبدالغني فألقى باللائمة على الإعلام "الذي لم يتبين الرشد من الغي في معالجة قضية الجيزاوي" كما قال.
وأكد عبدالغني استغلال البعض حالة الفوضى "التي تعصف بالشارع الإعلامي المصري منذ ثورة يناير لبث سمومه في العلاقة بين البلدين".
ودعا الدكتور فوزي الإعلاميين إلى الالتزام بالمهنية والمصداقية وأن لا يفتحوا قنواتهم وصحفهم لدعاة الفرقة والفتنة وأصحاب المعالجات الخاطئة للقضايا الذين أشعلوا حربا بين مصر والجزائر من قبل بسبب مباراة لكرة القدم.
وشدد عبدالغني أنه لا يمكن أن يدفع الشعب المصري "ثمن شطحات الإعلاميين وأصحاب الأجندات الخاصة".
من جهته وصف الكاتب محمد قنديل مشعلي الأزمة بـ"القلة المأجورة". وقال: "إن ما حدث من قلة مأجورة من المصريين أمام السفارة السعودية بالقاهرة أمر يندى له الجبين نظرا لما يربط بين السعودية ومصر من وشائج عريقة وقوية في مقدمتها وشائج الرحم في الإسلام والجوار.
وأضاف قنديل "أن التوقيت الذي شهدته الأزمة جاء متزامنا مع تأكيد السعودية وقوفها الداعم لمصر في محنتها الحالية ومنحها 2.07 مليار دولار لرأب صدع اقتصادها المنهار بعد ثورة يناير".