تعيش البلاد هذه الأيام الذكرى الثانية والثمانين على التأسيس، وذلك عبر احتفالات اليوم الوطني المتعددة التي تشهدها مدن وقرى وهجر هذا الوطن الكبير المترامي الأطراف، والعالم من حولنا يعيش مرحلة انتقالية حقيقية في كل الأوجه السياسية والاجتماعية والفكرية، وهو ما يجعلنا كمواطنين ومسؤولين نقف لحظة تأمل لواقعنا الحالي بكل إنجازاته وإخفاقاته، نحاول أن نقيم المرحلة ونعمل على أن تكون الأيام والسنوات القادمة أفضل، نكون فيها وطنا أقوى وشعبا أكثر تماسكا ومشاركة في البناء بكل مستوياته.
تواجه المملكة الكثير من التحديات، وهو أمر لا يمكن تجاوزه أوالتقليل من شأنه، فأحد أهم العناصر التي من خلاله يمكن ضمان مستقبل أفضل هو التعاطي مع الوضع الراهن على حقيقته دون محاولة تمويه الأمور أو التقليل منها، فالتقلبات التي شهدها الفكر الاجتماعي الجمعي جعل كثيرا من الأنماط الحياتية التي ينظر لها على أنها مسلمات أمر يجب إعادة النظر فيه، والتعامل معه، وفق متغيرات الزمان التي لم تكن مفروضة علينا بقدر ما كانت نتائج لمزيج الزمان والإنسان والمكان والمحيط.
لست مع المقارنات التي يطرحها البعض بين المملكة وبعض الدول الخليجية في مدى تقدمها العمراني أو المالي أو التنموي الشكلي الحالي، وذلك لعدة اعتبارات، أهمها الفارق في التعداد السكاني والفرق في المكانة وثقل المسؤولية السياسية والدينية بين المملكة وشقيقاتها، إضافة إلى المساحة الشاسعة التي تغطيها المملكة وتعدد حدودها، وهي المقارنة التي إن صحت من منطلق تطبيق مبدأ (جلد الذات) إلا أنها من الناحية العملية والموضوعية لا يمكن الأخذ بها على محمل الجد فكما يقال "وش جاب لجاب".
هناك رؤية سياسية سبق أن شرحها لي صديق مفادها أن هناك "نظرية" تحدث كل 15 سنة تُبنى عليها الدول أو تربط العلاقة بين الدول، ومن الواضح أن لها إثباتات واقعية، فدول خليجية اليوم تعيش ما عاشته السعودية من رخاء وتنمية عمرانية قبل 15 سنة، في حين أن السعودية تعيش اليوم مرحلة التنمية البشرية والفكرية والتنويرية مع تبعات ذلك من تحديات ومشاكل اجتماعية، والتي عاشتها بعض الدول العربية قبل ذات المدة، وهو ما يشير إلى أن التغير في المجتمعات أمر حقيقي لا مفر منه، والأمل كل الأمل هو أن يكون أي تغيير يحدث للوطن هو نحو الأفضل، وبناء على الأسس الشرعية التي انتهجها الوطن لنفسه.
وطننا يستحق منا أن نبنيه بأعمالنا لا أن نعتقد أننا نبنيه بتكسير مجاديفه وجلده، كل عام وأنت يا وطني أهلي وبيتي ومأمني.