كل شعوب العالم تجعل من يومها الوطني فرصة مناسبة للتأمل في واقعها في محاولة منها للتقويم والمراجعة، إن ذكرى اليوم الوطني السنوية فرصة لنا كأفراد ومؤسسات من مختلف قطاعات الدولة للتفكير فيما قدمنا خلال عام مضى، وما هو مأمول منا أن نقدمه لوطننا خلال عام قادم، هذه المراجعة الذاتية والرسمية يجب أن نجعلها واجبا رسميا لتقويم الأداء وتصحيح المسار، والتأكيد على أن يومنا الوطني نقطة انطلاق جديدة تحتاج منا جميعا إلى العمل المتواصل والدؤوب من أجل النهوض والارتقاء بها إلى مصاف الدول المتقدمة.

في سياق الأفكار التقييمية نسعى، في هذه التأملات، إلى إضاءة ركن أساسي من أركان التقييم، وهو التربية على نشر مبادئ حقوق الإنسان وقيم المواطنة، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما هو سر التراوح والتثاقل في التربية على حقوق الإنسان في مجتمعنا السعودي، مع أن القيادة الرشيدة تجعل حماية الحقوق والتعريف بها في كل القطاعات هدفاً استراتيجيا كما جاء في الخطة الخمسية التاسعة؟

الإحصاءات تشير إلى أن نسبة كبيرة من مجتمعاتنا تجهل ثقافة حقوق الإنسان ومبادئ المواطنة! مع أن أول خطوة في طريق حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها؛ هي التعريف بتلك الحقوق، ونشر ثقافتها، ذلك أن الكثيرين في مجتمعاتنا لا يعرفون الحقوق التي لهم والتي عليهم تجاه الآخرين، فلا يطالبون بما لهم، ولا يلتزمون بما عليهم، بسبب الجهل وانعدام المعرفة خاصة المبادئ القائمة على حق الاختلاف واحترام الآخر والعيش المشترك، ولتجاوز بعض نقائص وسلبيات هذا الوضع يمكن الاعتماد على النظام التعليمي لخلق أجيال جديدة أكثر التزاما بهذه المبادئ والقيم، فعلى صعيد التعليم أين هي المبادرات الحقوقية لإدارات التعليم في المملكة؟ أين هي مناهج حقوق الإنسان الموعودون بها منذ سنوات؟ أين الأنشطة الحقوقية اللاصفية؟ ما مسؤولية مؤسسات التنشئة الاجتماعية؟ ثم ماذا عن الإعلام المرئي والمكتوب؟ لماذا يتم الاكتفاء فقط بمجرد الندوات والمحاضرات التي تتزامن مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟ أين الأجهزة الحكومية التي تفاعلت مع قرار خادم الحرمين الشريفين بتاريخ 4/11/1431هـ في وضع استراتيجية عامة لنشر ثقافة حقوق الإنسان في كافة قطاعات الدولة؟ أين هو القطاع الذي بادر بوضع مدونة محددة خاصة بالحقوق، يعرف من خلالها الناس حقوقهم بشكل لا لبس فيه، لتكون مقياساً لكشف التجاوزات والانتهاكات الحقوقية؟ لماذا إذا جاء أحد المواطنين بعمل مقترح لبرنامج حقوقي يأتي الجواب من المسؤول الحكومي وبكل بيروقراطية إدارية منتفخة: "هناك جهات حقوقية مخولة بعمل هذه البرامج"! في محاولة منه للتنصل من المسؤولية ورميها إلى الجهات المختصة!

في المجتمعات المتقدمة تجد أن المسؤولية الحقوقية ليست محصورة في الجهة المختصة بل هي نظام حياة على كافة الأصعدة.. إنني أقول لكل وزير ومسؤول في هذا اليوم:

إن عليكم أن تسألوا أنفسكم ما الذي أضفتموه لتعزيز هذه الحقوق لإبراء ذممكم أمام الله سبحانه وتعالى؟ ما هي إسهاماتكم الحقوقية في تحقيق رؤية الملك في حماية وصيانة وتعزيز حقوق الإنسان؟

إن نجاح أنظمتنا التربوية والتعليمية في نشر مبادئ حقوق الإنسان وقيم المواطنة وزرعها لدى الناشئة كفيل بخلق جيل جديد من المواطنين يغلب عليهم التوازن المجتمعي واحترام الآخر والتعامل بإيجابية مع كل واجبات المواطنة ومبادئ حقوق الإنسان.