نشرت بعض الصحف العالمية مؤخرا أن هناك نوعا جديدا من طائرات الركاب ستغطي سماء الدنيا بدون طيار. وهو أن يركب الإنسان في تنقلاته وسفراته هذه الطائرات تذهب به أيان أراد، تمخر عباب السماء تعلو وتهبط عبر جهاز (ريموت كنترول) فيظل الإنسان لساعات قد تطول أو تقصر يتأرجح بدون إرادة، وقد سلم زمام نفسه وحياته لشخص رابض على الأرض، ولا يهم إن كان يستطيع - هذا المتحكم - الوقوف على قدمية، فربما يكون عاجزا أو مشلولا أو لا يستطيع الحراك، فلا نعلم حينها من القعيد منا، فكلانا قعيد، نحن قعداء الهواء مسلوبو الإرادة والتحكم والآخر قعيد الأرض، إلا أنه يحمل بين أذنية رأسا يحرك به الفضاء ويتحكم في الناس، بينما الرأس الطائرة تجوب الآفاق بلا إرادة أو قدرة على الحراك، فقد يهوي في هوة سحيقة إن انصرف رضا ذلك القعيد الذي بنى مجده على استهلاك قعيدا آخر، هو يفكر وينتج، والآخر يستهلك ويدفع، مما يجعل الأول يقف الأطول والأبقى وإن كان على عواتق الآخرين. لسنا ضد التقدم العلمي والاختراعات التى من الله عز وجل بها علينا لخدمة البشرية، إلا أننا نتساءل : أين المبدعين منا؟
فالإنسان العربي وفي هذه البقعة المباركة كان أول المخترعين، وكان أول صناع الحضارة. فإن كانت تقاس الحضارة بالصناعة والزراعة ومنهما تنبت؛ فإن أول صناعة في الوجود الكوني كانت صناعة نول ومحراث في الجنوب الغربي للجزيرة العربية، كما ذكر رالف دانتون في كتابة شجرة الحضارة، ومن هنا أُرَّخ للحضارة. كما أن أول زراعة كانت في الجزيرة العربية حينما نزل الروح الأمين جبريل عليه السلام على سيدنا آدم عليه السلام – وهو في هذه البقعة - وأعطاه سبع حبات من الحنطة ليزرعها، فزرع وحصد ودرس وعجن وخبز وأكل كما ذكر ابن كثير في كتابه البداية والنهاية.
ومن هذا المنطلق لا بد أن نعرف أن الإنسان العربي كونه ابن الجزيرة يجمل في بنائه هذه الجينات التي لا ولن تبلى أبداً.
فلماذا هذا التراجع في الفكر والثقافة والعلم والعلماء وقد خرجت البشرية جميعها من هذه الأرض ومنها انتشرت؟ يقول أمين السويدي في كتابة (سبائك الذهب) إن نوحا عليه السلام قد أمر أبناءه بأن ينتشروا في الأرض، فانتشروا مع الريح كل حسب ريح يومه، وعلى سبيل المثال حينما اتجه روم ابن يافث إلى غرب الكرة الأرضية سميت باسمه الروم، ومن هنا تكونت أوروبا وأميركا، واتجه ترك إلى الشمال فسمي هذا المكان باسمه، واتجه مصر إلى أرض مصر وحملت اسمه، وتوجه إيران إلى الشمال فتكون ما يسمى بالاتحاد السوفيتي الآن وقد سميت إيران باسمه، ثم توجه ماغوغ ليستقر قي شرق آسيا، أما آشور فقد اتجه إلى الشمال الشرقي وبه كانت أرض آشور. وهكذا عُمِّرت الأرض بجناحيها من هذه البقعة الطاهرة (جدة العالم الكبرى). فلو علمنا تاريخنا وحضارتنا لم نشعر يوما بالتضاؤل، أما الحضارة الزائفة وهي الحضارة الإلكترونية التى تصنع تاريخا وحضارة لأناس بلا جذور.
إن لدينا العديد من الرؤوس التى تبدع وتخترع ولكن يظل الأمر في إطار المحاولات لأنها إبداعات بدون حضانات فـ" أين الحضَّانات الإبداعية" لدينا؟
في عصرنا هذا بحثت في مخترعي التقنية فلم أجد عربيا واحدا شارك في اختراعاتها، مع أنها قد أصبحت علما يدور العالم كله في فضاءاتها الرحبة ومنها هذا الاختراع "طائرة ركاب بدون طيار"، ففي اطلاع موجز وجدت أن "راي توميلينسن" هو مخترع البريد الإلكتروني، ومايكل هارت ساهم في إيجاد الكتب الإلكترونية، وغاري ثوريك أول من أرسل بريد إلكتروني مزعج (سبام)، وسكوت فالمان أول من أرسل ابتسامات الدردشة، ومارك آندرسون مخترع متصفح نت "اسكايب"، وجاركو أويكارنين مخترع "الدردشة"، وروبرت تابان موريس أول من أرسل "فايرس الدودة"، ودايفيد بوهنت مخترع "جيوسيتيز"، ووارد كننجهام مخترع نظام "الويكي"، وباتيا هو مخترع "هوتميل"، ولاري بايج وسيرجي برين موؤسسا "جوجل"، وبل غيتس مؤسس مايكروسوف، وستيف جوبز مؤسس "آبل"، ودايفيد فيلو وجيري يانغ مؤسسا موقع "ياهو"، وبيتر ثال مؤسس باي بال، وبيير آميديار مؤسس "آي باد"، وجيمي ويلز مؤسس "ويكيبيديا"، ونيكلاس زنستورم مؤسس "سكايب"، وتشاد هرلي وستيف تشان وجاود كريم مؤسسو "يوتيوب"، ومارك زوكربيرج هو مؤسس "فيسبوك"، وجاك دورسي هو مؤسس "تويتر".
من هو العربي الذي شارك أو اخترع سِمَة جديدة في هذا العالم الافتراضي كما أسموه؟ وعلى الجوانب الأخرى اختراعات لا حصر لها لم يدون العربي اسمه فيها باستثناء الدكتور أحمد زويل.
إن المخترع العربي موجود ولا أبالغ إن قلت إنني أعرف أناسا لديهم مشاريع واختراعات ترقى إلى هذا المستوى العالمي. فهل سنطير في طائرة بدون طيار تدار بطريق التحكم عن بعد والتي من المقرر أن تجتاح سماء الدنيا فى فترة وجيزة؛ والذي ما هو إلا انعكاس لتحكم وسيطرة العالم الجديد؟
وبالرغم من تحذيرات شبكة "سي بي اس نيوز" من عدم إمكانية الحفاظ على هذه الطائرة وسهولة اختطافها كما أثبتت دراسات البروفسور همفريز وطلابه، فنضيع جميعنا في المفازة إذا لم نحكم نحن بأيدينا التحكم في أدواتنا. ونمسك نحن بالـ(ريموت كنترول)
أعود فأسأل المسؤولين والمؤسسات في بلادنا: أين حضَّانات الاختراع؟ وخاصة أننا في دولة أنعم الله عليها ولها اليد الطولى في معالجة جل الأزمات الدولية.