منذ انطلاقة الدولة الحديثة بقيادة الموحد العظيم الملك/ عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وهي لا تزال تواجه تحدياً وجودياً في كل مرحلة: واجه الملك عبدالعزيز تحدي إقامة الوحدة الوطنية الأكبر في تاريخ جزيرة العرب، وظل نصف قرن يغزل "المملكة العربية السعودية"، ويرتق بالحكمة كثيراً وبالسيف قليلاً أجزاءها المترامية.

ثم جاء الملك سعود بن عبدالعزيز ليواجهه التاريخ بتحدٍ وجودي صعب سؤاله: كيف نحافظ على ما أقامه عبدالعزيز ونطوره؟ فعمل منذ اللحظة الأولى على سن التشريعات والتنظيمات الحديثة بما يسير السفينة إلى بر الأمان والازدهار.

ولما استلم الملك فيصل بن عبدالعزيز الدفة، كانت رياح الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية بزعامة الاتحاد السوفيتي، والغربية بزعامة المارد العالمي الجديد/ الولايات المتحدة الأمريكية، قد بلغت ذروتها، وانحرفت بكثيرٍ من سفن العالم النامي ذات اليسار الحاد، أو ذات اليمين المتطرف؛ فاتجه بسفينته السعودية الضخمة اتجاهاً ثالثاً وسطياً بدعوته الشجاعة إلى التضامن الإسلامي، كما قاد في الوقت نفسه الثورة على البيروقراطية بإلغاء مجلس الشورى وإحلال مجلس الوزراء "التكنوقراط" ـ أي مهندسي الإدارة ـ محله، وهي الثورة التي سيقودها بعده بخمسة عشر عاماً الزعيم الماليزي/ "مهاتير محمد"، مستفيداً من بعده ـ نسبياً ـ عن بؤرة الصراع العالمي في الشرق الأوسط، التي جابهت الملك خالد بن عبدالعزيز بتحدي الطفرة الهائلة المفاجئة لمجتمعٍ لم يستعد لها! ومع ذلك فقد نجح في صرف هذا الطوفان المالي في تأسيس البنى التحتية لأضخم المشاريع الوطنية؛ حتى إذا انحسر بشكل حادٍ بعد تسلم الملك فهد بن عبدالعزيز القيادة لم يؤثر على حياة المواطن كثيراً؛ إذ تحملت الدولة نصيب الأسد من الانهيار العالمي في أسعار النفط، مع استعار الحرب في دول الجوار وانقلاب معادلات الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفيتي المدوي.

أما خادم الحرمين الشريفين الملك/ عبدالله بن عبدالعزيز فيشاء الله تعالى أن يجمع بين يدي إرادته الفذة كل التحديات السابقة ليجد الوحدة الوطنية قد تسربت إليها تصدعات التصنيف والتكفير والطائفية والإقليمية؛ فأنشأ مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ليفتح الجراح تحت الشمس! وصنع التاريخ بتدشينه حوار الحضارات والأديان. ووجد البيروقراطية تجثم فوق حصان التنمية، فما زال يتصدى لها بقرارات تسابق الزمن كإنشاء المدن الصناعية، وابتعاث مئات الألوف من الشباب. وتفجَّر طوفان الطفرة ثانية في أسعار النفط، فنقل وطنه إلى مصاف نادي العشرين الاقتصادي ليلعب الرقم الأصعب في ميزان الحراك الاقتصادي العالمي. وهاهي الثورات الشعبية العربية تندلع لتسقط أنظمةً رفضت الانصياع لصوت التجديد والمراجعة، فيما ظلت قيادتنا الرشيدة تستمع بشفافية شديدة لصوت العقل والحكمة في صغير الأمور قبل كبيرها، رهانها الأول والأخير هو الصدق في مواجهة التحديات بوعي المواطن الذي لا يساوم على وحدته لحظة.

وكل تحدٍ وأنت بخير ياوطن الفخر والعزة.