هذا العام يمكن أن يكون اليوم الوطني مختلفا في الغالب، واختلافه يتضح من خلال مقارنة سريعة بين ما يعيشه العالم من حولنا وما نعيشه نحن في المملكة العربية السعودية، ففي الوقت الذي يشهد فيه العالم من حولنا إعادة تشكيل دول من جديد وصعودا وتغييرا في موازين القوى، تثبت التجربة السعودية أنها تمتلك كل مقومات التماسك والازدهار والنهضة المتواصلة.
أبرز ما قدمته المملكة العربية السعودية في تجربتها الرائدة في العصر الحديث أنها مثلت قيام دولة حديثة في مجتمع تقليدي، فاستطاعت الدولة من خلال عملية بناء واعية للمؤسسات أن تعيد بناء حالة معرفية تحول فيها الجميع إلى بناة للدولة وشركاء في نهضتها وأمنها، مع نجاح سعودي هائل في إقامة توازن بين الدولة الحديثة بمفهومها الفعلي وبين المقدرات الدينية والاجتماعية في المملكة.
ولأن الدولة الحديثة شريكة للعالم في كل جوانبه، فقد جعلت المملكة من تراثها الديني قيمة شراكة مع العالم، تقدم من خلالها نموذجا للتعايش والسلام والتأكيد على أنها ليست دولة أيديولوجيا ولكنها دولة حضارة دينية واجتماعية. ولعل في مبادرة حوار الأديان التي انطلقت من المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، المثال الأبرز على تحويل المعطيات والقيم الدينية التي تمثل الثقافة السعودية إلى عوامل تواصل وتعايش مع العالم بمختلف ثقافاته وأديانه وحضاراته.
التحولات الواسعة التي يمر بها العالم من حولنا أثبتت أن الذي سقط هي أنظمة وليست دولا، في الغالب لأن حالة من الانفصال الواسع ظلت قائمة لعقود بينها وبين الشعوب، فاختفت أفكار الوحدة والشراكة والمستقبل، وهو ما أدى لذلك الانهيار ولتلك الاضطرابات.
كل السعوديين الآن يعيشون وحدة مصير ليست مرتبطة بمناطقهم ولا بقبائلهم ولكنها مرتبطة بمصيرهم الوطني الواحد الذي تتمثل عوامل قيامه ونهضته في كل مقومات الدولة من استقرار وأمن واقتصاد وازدهار.
كل مرحلة من مراحل المملكة العربية السعودية، ومثلما تمثل امتدادا للفترة السابقة لها، تمثل في الوقت ذاته انطلاقا لمرحلة جديدة تبعا للتطورات وما تستلزمه المراحل العالمية، ذلك أن المملكة مؤثرة جدا في حركة العالم ومتأثرة بها كذلك، والسنوات الأخيرة التي مرت بالعالم كانت مكتظة بمختلف التحولات الاقتصادية والسياسية والحضارية، وهو ما قامت معه المملكة بحزمة من الإجراءات الواعية أدارها وبكل اقتدار خادم الحرمين الشريفين واستطاع من خلالها أن يقدم المملكة العربية السعودية كنموذج حي للتفاعل مع العالم.
لقد مثل مشروع الملك عبدالله للابتعاث الخارجي حدثا متميزا على مستوى انتقال السعوديين من التلقي المجرد للعالم علما ومعرفة إلى مستوى التلقي التفاعلي الذي يسهم في جعلهم جزءا من هذا العالم، إضافة إلى كونه زراعة آنية لمستقبل الكوادر الوطنية التي لن يكون لها أن تبني وطنا حديثا إلا من خلال أفراد يحملون علما ومعرفة حديثة، وما حدث من نقلات ومشروعات اقتصادية استثمرت الرخاء القائم في الحاضر لتحافظ على رخاء المستقبل.
هذا التفاعل مع العالم لا يمثل توجها حقيقيا ومتنوعا، وقد شاهدنا كيف استقبل العالم مبادرة خادم الحرمين الشريفين لحوار الحضارات الذي توجه مؤخرا بإطلاق مركز الملك عبدالله العالمي للحوار، ليكرس بذلك قيمة لا تهم المملكة وحدها، بل تقدم نموذجا للتفاعل الإسلامي مع الحضارات العالمية وتبنيا واقعيا لقيم الحوار والتعايش والسلام.
المشروع الكبير المتمثل في التوسعة الضخمة للحرمين الشريفين ومثلما هو دليل على إيقاع التنمية وشمولها، هو أيضا تجسيد للمسؤولية التاريخية التي تعيشها وتضطلع بها المملكة العربية السعودية في توفير كل عوامل الدعم للمسلمين وامتنان لله تعالى الذي شرف هذه البلاد بهذه القيمة الإسلامية الكبرى.
كل ما نعيشه اليوم واقعا هو خطوات حقيقية من أجل المستقبل، والعمل المتواصل اليوم في حياتنا السعودية يهدف لتحقيق النسب الأعلى من الرفاه والاستقرار وتحقيق سبل العيش الكريم، بل والتعامل بحزم مع الملفات التي ما زالت تمثل عوائق أمام اكتمال طموح المواطن ووصوله إلى كل عوامل الأمان المعيشي، وما القرارات الملكية الأخيرة التي تناولت مختلف الجوانب المؤثرة في حياة الإنسان السعودي، إلا براهين تكشف التوجه الواضح الذي يؤكد محورية المواطن في كل ما تقوم به الدولة.