قد يكون الخبر الذي نشرته "الوطن" أمس عن النقوش التي تعيد نسب الراوي المحدث الإمام ابن ماجة إلى قبائل الأزد ومن بني شهر على وجه الخصوص، أقول قد يكون مفاجئا لكثير من الباحثين والمشتغلين بالحديث الشريف، وتراجم الرجال وأخبارهم إلا أن الأكثر مفاجأة أن تخرج "ولاية الجهوة" كما أسماها باعث هذه الصرخة التاريخية الدكتور علي العواجي مدرسة في الحديث الشريف تشمل أربعة وعشرين راويا في الوقت الذي لم يتطرق لذلك باحث تاريخي حديث، أو دراسة توثيقية جادة.

تلكم النقوش التي عكف العواجي على دراستها بعد أن هداه الله ثم عقله المتسائل إلى التنقيب عن فرائد آثارية أخذته - وهو الباحث الذي أمضى سنوات في الاشتغال التاريخي - إلى حقائق علمية انقشعت معها سحب التعمية التي خيمت على هذه المنطقة من جنوب الوطن حين وصفت بالجهل والابتداع والانحراف عن جادة التوحيد، فهاهنا محدثون ومقرئون للقرآن الكريم يقف على ناصية القائمة منهم وبكل شموخ عبدالله بن عمر بن الخطاب الذي قدم إليها معلما أهلها كتاب الله وسنة رسوله، وهذا عطاء بن أبي رباح، ثم لا تقف المفاجأة أو قل الحقيقة التاريخية عن الصدح بأن أحد رواة القراءات الشهيرة هو من هذه الولاية الضاربة في عمق التاريخ رسوخا وحضارة وعلما لنجد حفص بن عمر الشهري ماثلا في أحد النقوش يدعو لنفسه ولتلاميذه ولمن قرأ النقش وأمّن عليه.

إن السؤال الكبير الذي يلح على فضاء البحث التاريخي هو من أسقط هذا العلم من التدوين والتوثيق؟ ومن عزف عن ذكر هذه الولاية وما حفلت به من علماء؟ خاصة إذا علمنا - كما جاء في الخبر - أن الله قيض لهذه النقوش العديدة رجلا فاضلا يدعى مشرف بن عيسان العمري كان على الرغم من ضعف أدواته وضيق ذات اليد خير حام لها، ومنافح عن أن تطالها يد العبث أو التخريب والتجاهل.

ومسألة أخرى ذكرها الباحث في معرض حديثه هي أنه بعد عودته لرؤية تلكم الآثار والنقوش لم يجدها وأخبره العمري أن شاحنتين كبيرتين تابعتين لهيئة الآثار والسياحة قد جمعتا كل ما وجدتاه من نقوش ورحلتا دون أن يعرف الاثنان مصير الكنوز التاريخية التي استحالت إلى قطع حجرية حملت دون اكتراث بما تشع به من قيم حضارية وتاريخية.