هكذا يخاطب الإعلامي المخضرم داود الشريّان زميله المخرج في إحدى حلقات برنامجه "الثامنة" على "شاشة كل العرب" إم بي سي1. وبعيدا عن المهنية التي تقتضي بالضرورة أن تكون لغة الخطاب بين أي اثنين، سواء المذيع والضيف، أو المذيع وزميله في الكواليس أو غير ذلك، أعلى من هذا المستوى، لا أقول أكثر رقيّا وذوقًا، من "عطونا الكاميرا يا ولد".
ولكن لماذا لم يكن الداود بهذه الشخصية في برنامجه السابق على العربية "واجه الصحافة"؟ ولماذا استعاد الإعلامي الفذّ ذلك القروي البسيط في داخله مؤخرا؟ أم إن المعايير تختلف بين المحطتين؟ لا أعرف، لكن التخمين الذي توصلت إليه بعد طول تأمل، هو أن الشريّان يعتقد أن هذه اللغة، وهذا الأسلوب في إدارته للحوار، الذي يتصاعد عادة حتى يكاد يصل مرحلة "الشجار"، هي الأدوات التي تلزمه لنقاش شؤون الناس، عامة الناس، وخاصتهم. فإن صدق ظني، وجب على الأستاذ القدير أن يعيد حساباته، فالأمر لم يعد واقفا عند لغة الحوار بل تعداها إلى "أسلوب" الحوار ونهجه.
إن مشكلة هذه القامة والطاقة الإعلامية الهائلة الممثلة في الأستاذ داود، هي أنه لا يستطيع التخلص في برنامجيه التلفزيوني والإذاعي، من مخزون مفرداته وإيماءاته أحيانا، ذلك الذي تكوّن في قريته البسيطة، وداخل محيطها الجميل ببساطته، وتوحد وعي أفراده وثقافتهم، ورؤاهم.
يطرح المذيع الرائع الكثير من القضايا الهامة. إنه يكشف الكثير من عور الوزارات والدوائر الحكومية والمؤسسات والشركات.
يناقش كل قضايا المجتمع السعودي، في كل أصقاع بلادنا المترامية الأطراف. يعلق الأجراس ويدقها "ظهرا" ومساء، لا يكل أبدا في مواجهة المسؤول بأخطائه، ولا يتردد عن استجوابه عن كل ما في يديه من أسئلة تمس ضعف الخدمات، أو سوء المعاملة، أو إهمال بحق المواطنين، جميع المواطنين في كل مكان، إلا أن الشيء الوحيد الذي ينقصه هو ذلك الشخص الذي "اختفى" بعد "مواجهة الصحافة" على قناة العربية!
فالمسألة ليست اختلافا في الأذواق أو من قبيل استحالة كسب رضا الجميع، بل ترتبط ارتباطا وثيقا بأصول المهنة، التي لا يمكن فصل الالتزام بها عن نوعية وقيمة المادة المقدّمة.