بعيدا عن الصراخ وردات الفعل التي انقلبت سلبا على كثير من العواصم العربية والإسلامية، أدركنا أن كل ما حدث في القنصلية الأميركية في بنغازي أو أمام السفارة الأميركية في القاهرة أو في تونس ليس هو الصواب، ولا يقدم ولا يؤخر شيئا في قضية الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم. فاتجهنا لمن يمثل التأثير الحقيقي في القضية والمنبر الذي أعطى هذا الفيلم البشع مساحة للانتشار والعرض وهو موقع اليوتيوب. وهكذا يكون الاحتجاج الحقيقي. كل الاحتجاجات والهتافات والصراخ الذي شهدته سفارات وقنصليات أميركية وأوروبية في كثير من دول العالم لم تجد نفعا ولم تؤثر في القضية الحقيقية وهي شطب أو حذف أو حجب الفيلم المسيء بل على العكس، أسهمت تلك الاحتجاجات في ردات فعل عالمية ومواقف من الثقافة الإسلامية تحولت فيها الثقافة الإسلامية من كونها صاحبة الحق والقضية لتصبح في خانة المتهم. الأسوأ من ذلك أن تلك الاحتجاجات المنفعلة أوحت للولايات المتحدة وللغرب أن عليه أن يتجه لحماية ممثلياته ومصالحه في تلك الدول، وبدل أن كانت ما تعرف بدول الربيع العربي تحصد ثناء ودعما من مختلف دول العالم تحولت الآن في نظر كثير من الدوائر السياسية الغربية إلى مجرد بلدان مجهولة المصير والعلاقة معها ليست واضحة المعالم. أيضا الأسوأ من كل ذلك أن بعض الأصوات والشخصيات التي خسرت كثيرا جراء موجات الثورات العربية استعادت مع هذه الاحتجاجات شيئا من بريقها واتجهت للاستفادة من الشعور الإسلامي المنـدفع لتفتح بابا للمزايدة، فها هو حسن نصر الله الذي امتدح جلاوزة النظام السوري وأسماهم رفقاء السلاح، ورأى في نظام بشار الأسد عنوانا على المقاومة والممانعة رغم الفظائع التي يرتكبها يوميا بحق الشعب السوري، ها هو وبعد أن انكشف تماما أمام الشارع العربي يخرج محاولا استعادة ما فقده مرددا بعض الشعارات والجمل التي تؤكد علاقته بالعالم الإسلامي ووحدة العالم الإسلامي لأنه يدرك درجة الخسران الـتي مـني بها الحزب ورموزه بعد موقفهم من الثورة السورية.
إذاً لقد انجلت تلك الاحتجاجات عن آثار غاية في السلبية والرداءة، حتى روسيا أرادت أن تزايد على حبها واحترامها للمسلمين لتمسح شيئا من صورتها القبيحة في الوجدان العربي والإسلامي وهي تساعد في التنكيل اليومي بالشعب السوري. الانفلات سهل والانفعال أسهل، بل لا يوجد من لا يستطيع القيام به لكن سؤال الجدوى يظل غائبا، وتظل الآثار السلبية هي الأبرز، في السعودية لم نذهب إلى أي من السفارات الأوروبية، أولا لأننا ندرك وباختصار أن لا علاقة لها بما حدث، وندرك أنه لا توجد جهة رسمية في أي من بلدان أوروبا تقف خلف هذا العمل، وندرك أيضا أن هناك من يتربص بكل تلك المواقف وكل ردود الفعل للخروج منها منتصرا، إنهم أولئك الذين حولوا قضية الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم لمجرد شعار وأداة لتحقيق مكاسب وأهداف سياسية، ورغم كل ذلك كان الفيلم البشع لا يزال على الإنترنت.
مواقع اليوتيوب وجوجل وغيرها هي في النهاية شركات تبحث عن الربح والاستقرار والحضور في كل دول العالم، ثم إنها من الشركات التي لا يمكن لحكومات بلدانها أن تتدخل في محتوى ما تنشر ما دام لا يخالف القوانين لديهم، إذاً فلنضغط عليهم بمنطقهم ولنخاطبهم بلغتهم: التهديد بحجب الموقع في السعودية إذا لم يتم حذف الفيلم. لم تلبث شركة جوجل بعد أن تلقت تهديدا سعوديا واضحا أن اتجهت للعمل على حجب صفحات اليوتيوب التي تعرض الفيلم، الآن تظهر جملة: هذا الفيلم غير متاح في بلدك. أكاد أجزم أن أكثر المشاهدات التي حصدها هذا الفيلم القبيح كانت في بلدان عربية وإسلامية، ماذا لو قامت كل دولة بما قمنا به، واتجهت للبحث عن الجدوى الحقيقية المتمثلة في التخلص من هذا الفيلم وحجبه في بلدانها، أليس هذا هو الأجدى. ببساطة تحرك المزايدون فأنتجوا مواقف وآثارا سلبية للغاية، وتحركنا نحن فتخلصنا من هذا الفيلم وخاطبنا الجهات المسوؤلة بمنطقها وبلغتها، وهكذا يكون التحرك لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم إن كنتم صادقين.