صرّح أحد أعضاء مجلس الشورى في إحدى الصحف المحلية بأن: "حضور أي وزير للمجلس ما هو إلا استعراض طويل وممل لمنجزات ليس لها أي أثر على أرض الواقع..، قبل أن يستمع إلى سؤالين أو ثلاثة من الأسئلة المنتقاة والمختارة من الأعضاء، ليجيب على بعضها أو يتركها إن أراد، ثم يغادر من دون محاسبة على تقصير لأدائه أو أداء وزارته".

رغم الوجاهة المنطقية للتصريح السابق، إلا أن هناك بعض النقاط التي أرى أنه من الضروري توضيحها والتي تتعلق بموضوع المساءلة الحكومية، فكثير من الناس تعتقد أن المساءلة تتعلق فقط بمحاسبة المسؤولين عند وجود تقصير في أداء الوزارة أو في وجود تدنٍ في جودة الخدمات المقدمة إلى المواطنين، عندها يجب محاسبة المسؤول عن ذلك، وبعبارة أخرى لا تنشأ المساءلة إلا عند وجود التقصير.

والمفهوم السابق غير صحيح، فالمساءلة تنشأ بمجرد التعهد بأداء المهام أو الأهداف المحددة للجهة الحكومية، وبمجرد تقديم تقارير سواء كانت مالية أو إدارية حول تحقيق هذه الأهداف، عندها يتم تحقيق متطلبات المساءلة.

هذا هو المفهوم الواسع للمساءلة، ولكن قد لا يستسيغ البعض هذا المفهوم، وقد يقولون: "إن جميع الجهات الحكومية، تقدم تقارير مالية وإدارية مثل الحساب الختامي والتقرير السنوي عن إنجازات الجهة، وبالتالي كيف يتم تصحيح الانحرافات ومعاقبة المقصرين؟".

وللإجابة على التساؤل السابق، لنأخذ على سبيل المثال مناقشة وزير الصحة في مجلس الشورى، فقد طرح أعضاء المجلس، العديد من القضايا والملفات التي تتعلق بأداء الوزارة مثل: الأخطاء الطبية وعدم وجود أسرة للمرضى، وتأخر المواعيد ومشاكل أقسام الطوارئ، وغيرها من الملفات التي تتعلق بالقطاع الصحي في المملكة، وقد أوضح الوزير دور وزارته تجاه هذه القضايا، واعترف بأن الوزارة ليست بمنأى عن حدوث الأخطاء ووجود القصور في الخدمات، كما قدم عرضاً موجزاً عن ما تم تنفيذه خلال الأعوام الثلاثة الماضية عبر خطة إستراتيجية وضعتها الوزارة.

وطبقاً لمفهوم المساءلة الواسع الذي ذكرته آنفاً، فإن محور المساءلة يتعلق بالخطة الإستراتيجية التي ذكرها وزير الصحة، وبالتالي هل هناك تقارير متابعة سنوية لتنفيذ هذه الخطة؟ وما هي الأهداف والسياسات التي تضمنتها؟ وما هي النتائج التي حققتها الخطة خلال ثلاث سنوات؟ وما هي المعوقات التي تواجهها الوزارة عند تنفيذ الخطة؟

ومن خلال الإجابة على الأسئلة السابقة تنشأ المساءلة، فالخطة الإستراتيجية تعتبر تعهدا من قبل الوزارة بتأدية مهام معينة لتحقيق أهداف محددة، ولتحقيق هذه الأهداف فإنها تتطلب تمويلا ماليا لإنجازها، وعليه فإن من مسؤولية الوزارة تقديم حسابات مالية وتقارير بخصوص برامجها وأنشطتها، عندها يجب مراجعة هذه التقارير من قبل الجهاز الأعلى للرقابة في الدولة (ديوان المراقبة العامة) لإضفاء المصداقية والثقة في هذه التقارير، وعلى هذا الأساس تتم مناقشة وزارة الصحة في مجلس الشورى.

هذا بصورة مختصرة فيما يتعلق بالمساءلة، وتناولت مناقشة وزارة الصحة في مجلس الشورى كمثال لقرب الحدث، وما ينطبق على وزارة الصحة ينطبق على باقي الوزارات والجهات الحكومية الأخرى.

فتخيل معي عزيزي القارئ، وجود تقارير لديوان المراقبة العامة تتضمن رأياً مهنياً حول الحساب الختامي لجهة حكومية ما، بالشكل التالي: "راجع الديوان وفقاً لمسؤولياته واختصاصاته، ووفقاً لمعايير المراجعة الحكومية، الحساب الختامي للجهة الحكومية (...) للعام المالي (...)، وتبين أنها لا تتفق مع الأنظمة والتعليمات المالية وتوجد أخطاء جوهرية في الحسابات (توضح تأثيراتها)" ويرفق مع هذا التقرير بيانات تفصيلية وإيضاحات أخرى مثل المخاطر المالية وأنظمة الرقابة الداخلية.. فعند وجود مثل هذا التقرير يا ترى كيف سيكون موقف الجهة الحكومية أمام السلطة التشريعية وأمام مجلس الشورى أو وزارة المالية عند مناقشة الميزانية والاعتمادات المالية؟

ماذا عن موقف الجهة الحكومية لو أن الديوان قام بمراجعة تقاريرها الإدارية وقام بتفنيد المؤشرات والإحصائيات التي تتضمنها، وقام أيضاً بفحص مدى تحقيق أهداف خططها الإستراتيجية؟

أعتقد أن الوقت قد حان لاعتماد نظام جديد للمساءلة يعتمد على مبدأ تحقيق الأهداف والنتائج، وتجدر الإشارة هنا إلى أني لا أنكر جهود مجلس الشورى في مجال تطوير الأداء الحكومي، ففي بدايته اقترح المجلس نماذج لما يجب أن تكون عليه التقارير السنوية للجهات الحكومية، وما تشتمل عليه من معلومات وبيانات، ثم أخذ المجلس يطلب حضور الوزير ليناقش تقرير الوزارة والإجابة على تساؤلات الأعضاء، وفي هذا الصدد يقول الأستاذ/ محمد الشريف رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في كتابه (جوهر الإدارة): "الحقيقة التي ينبغي إبرازها هي أن تلك التقارير تعد النافذة الوحيدة التي يطل منها المجلس على واقع أداء الجهة الحكومية، ويتعرف منها على مدى تحقيق أهداف كل جهة، وتتكون من خلالها انطباعاته عن أكثر الجهات الحكومية انضباطاً والتزاماً بالأنظمة والتعليمات".

ولكن تظل هذه التقارير قاصرة وبحاجة إلى جهة مستقلة كديوان المراقبة العامة لإضفاء المصداقية والثقة عليها، ناهيك عن أن العديد من الجهات الحكومية تهتم بالتفاصيل (المدخلات) وفي نفس الوقت تهمل تحقيق الأهداف والنتائج (المخرجات)، كما أن الرقابة الحكومية تركز على هذه التفاصيل وعلى الإجراءات دون التركيز على النتائج، هذا بالإضافة إلى أن تقدير الاعتمادات المالية يميل إلى التقدير الجزافي ومدى قوة الجهة الحكومية عند مناقشة ميزانيتها، ولكن أعتقد عند تطبيق النظام الجديد للمساءلة وبمفهومه الواسع الذي استعرضناه في هذه المقالة، فإن الوضع سيتغير إلى الأفضل، وسوف يزيد من ثقة المواطن في مجلس الشورى وكذلك الجهات الحكومية، ويفعّل دور ديوان المراقبة العامة، وليس هذا فحسب، بل سوف يقلل من ضعف التنـسيق بين الإدارات المختلفة في الجهة الحكومية نفسها ومع الجهات الأخرى، لأن الجهود سوف تتكاتف نحو تحقيق الأهداف والنتائج المطلوبة.