لماذا يكرهوننا؟! سؤال تكرر بالصحف الأميركية ومحطات التلفزة، وعلى ألسنة عدد كبير من المسؤولين والكتاب الأميركيين، غداة حوادث 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن، التي مر عليها، أحد عشر عاما، وما يزال السؤال يتكرر حتى يومنا هذا.
سالت منذ ذلك التاريخ مياه كثيرة. فقد أعلنت إدارة الرئيس الأميركي، جورج بوش بعد أحداث سبتمبر مباشرة حربا عالمية على الإرهاب. وشهد العالم هجمة غير مسبوقة على العرب والمسلمين، وفي هذه الهجمة يكمن الجواب على السؤال: لماذا يكرهوننا؟!
احتلت أميركا أفغانستان والعراق، الأولى تحت ذريعة إيوائها لزعيم القاعدة أسامة بن لادن، أعلن مسؤوليتة عن تفجير برجي مركز التجارة في نيويورك، ومبنى البنتاجون في العاصمة واشطنون، والثانية، تحت ذريعة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وعلاقة مفترضة بتنظيم القاعدة. وعلى غير ما هو مألوف في أثناء حقبة الاستعمار التقليدي، كان الغزو مدمرا وماحقا. صودرت الأوطان، وفتتت عناصر مقاومتها، وجرى إعادة صياغة هياكلها، بما يتسق مع مشاريع التفتيت، وبعث متعمد لمكونات "ما قبل تاريخية" غلبت الهويات الجزئية على المكونات الوظنية، واستندت على القسمة بين الطوائف. وقد أسهم ذلك في تفتيت النسيج المكون للهويات الجامعة.
جرى انحياز واضح وغير مسبوق أيضا، للكيان الصهيوني. وقضم الجزء الأكبر من الضفة الغربية، التي هي بحكم القانون الدولي، ومبادئ الأمم المتحدة وقراراتها أرضا محتلة. وفصل قطاع غزة عن الضفة، وأقيمت به حكومة خاصة به. أصبح التفاوض بين الفلسطينيين والصهاينة يجري على أقل من 47 في المائة من أراضي الضفة. وطيّ ملف حقوق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم، ربما للأبد، وتسابق الرؤساء الأميركيون، الواحد تلو الآخر، بالتأكيد على يهودية قدس الأقداس، واعتبارها العاصمة الأبدية للكيان الغاصب.
وخلال عقد من الزمن، جرى تدمير منهجي، لخمسة جيوش عربية، بعض دولها تحتفظ بعلاقات متينة بالأميركيين، وكان العراق هو المحطة الأولى في مشروع التدمير للجيوش العربية، والهدف عدم تمكين هذه الأوطان من الدفاع عن نفسها، عند تعرضها للعدوان. وبذلك تفقد الدولة الوطنية الحديثة، واحدا من أهم عناصر قوتها. ليس ذلك فحسب، بل إن الصمغ اللاصق، لهذه البلدان، التي جرى تركيبها، بعد الاستقلال، تفكك بفعل الحروب الأهلية، التي شهدها عدد من البلدان العربية، والتي هي بالأساس نتاج تخطيط من يوجه السؤال: لماذا يكرهوننا؟!. ويجري الآن العمل على تفكيك الجيوش في عدد آخر من البلدان العربية، من خلال استنزاف قدرتها في مواجهة الإرهاب.
لم يتصور أحد، أن يتجاسر أعداء الأمة على أهم عنصر من عناصر حيوية وبقاء الأمتين العربية والإسلامية، وأن يوجه الخنجر، إلى عقيدة المسلمين بشكل مباشر.
لقد استهدفت في هذا العقد ذاكرة المسلمين ومعتقداتهم أكثر من مرة. والهدف كما بدا واضحا الآن، هو أن تنتقل الحرب من تفتيت الأوطان وتمزيق الجيوش إلى تفتيت الهوية. فالعقيدة الدينية، ليست مجرد طقوس وعبادات، ولكنها حاضن لما تختزنه ذاكرة الأمة، في وجدانها من مواريث وثقافات تراكمت وترسخت عبر حقب تاريخية ممتدة، وشكلت هوية وعنوان الأمة.
أدرك الفرنسيون، أثناء احتلالهم للجزائر، أن ترويض شعبها لن يتم إلا باقتلاع جذوره، والحد من كبريائه، وإجهاض التزامه بمواريثه، التي يختزلها الدين واللغة والتاريخ، مسهمة في تحديد مكوناته النفسية، ورسم معالم شخصيته. وهي بالذات ما تستمد منها الأمة المنعة والقوة، وفي أعلى القمة تأتي رسالة الإسلام السمحة الخالدة، التي هي الركن العصي في استنهاض الموروث والمخزون الحضاري للعرب والمسلمين على السواء.
مؤخرا، عاود المرجفون والمشككون في دين الله عدوانهم، الذي مورس بشكل دراماتيكي قبل عدة سنوات، برسوم كاريكاتورية نشرتها إحدى الصحف الدنماركية، في إساءة واضحة لشخص الرسول الأعظم محمد، عليه أفضل الصلاة والسلام. الآن يخرج فيلم أميركي أكثر خزيا وعدوانية على المسلمين وعقيدتهم ونبيهم، في تحد واضح لمشاعر المسلمين، واستهجان بردة فعلهم، فتكون النتيجة عودة لأعلام القاعدة ترفرف في عدد كبير من المدن العربية، ويعود للتطرف حضوره القوي، في البلدان العربية والإسلامية. يضاف إلى ذلك أن الجهة التي أصدرت الفيلم زجت باسم منتج قبطي ضمن قائمة منتجيه، بهدف التحريض على أقباط مصر، وزج أرض الكنانة في أتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. وذلك ما ينبغي أن يحذر منه أهلنا وأشقاؤنا في مصر، عملا بمنطوق القرآن الكريم: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" صدق الله العظيم.
لا بد أن يتداعى قادة العرب والمسلمين، لوقف هذا العبث المقيت. فوقف التطرف مرهون باستعادة العرب والمسلمين لكرامتهم، وإعادة الاعتبار لمعتقداتهم. ولن يجدي تعلل الغرب بحرية الرأي والتعبير. فالكل يعلم أن ذلك ينسحب عليه ما ينسحب على غيره من ازدواحية المعايير، لدى الغرب، حين يتعلق الأمر بحقوقنا.
لماذا يكرهوننا؟! سؤال يملك الغرب وحده أسبابه، ويملك وحده الآن ألا يعاد طرحه مجددا، بأن ينتفي المنطق الأرسطوي، الذي يعتبر بعض البشر أقل استحقاقا من غيرهم، ويصنفهم في خانة الكائنات غير المكتملة إنسانيا.. نقول أن لنا حقوقا: حقنا في احترام عقيديتنا وعدم الإساءة إليها من أي كان، وحقنا في الحرية والاستقلال والثروة، وحقنا في فلسطين وفي المقدمة منها قدس الأقداس وعودة اللاجئين إلى ديارهم، وحقنا في ألا تمس هوياتنا الوطنية الجامعة. في ضمان هذه الحقوق مجتمعة يتحقق ميزان العدل. ولن نكل أو نمل عن المطالبة بها، والكفاح من أجلها.