قبل أسبوعين صدر عن مجموعة "سيتي جروب" الأمريكية أن المملكة قد تصبح مستورداً للنفط بحلول عام 2030 في حال استمر استهلاك النفط محليا بنسبة 8%، بسبب النمو المتزايد لاستهلاك الطاقة الكهربائية وقت الذروة في المملكة، وهو ما يمثل أكثر من ضعف النمو السنوي لعدد السكان. وأضاف التقرير أن السعودية، التي تنتج حاليا 11 مليون برميل يومياً من النفط الخام وسوائل الغاز الطبيعي، تُعَدُّ اليوم أكبر منتج للنفط والسوائل في العالم وتحتل المرتبة الثامنة عالمياً في إنتاج الغاز الطبيعي الجاف بحدود 9 مليارات قدم مكعب في اليوم، ولكنها تستخدمه بالكامل محلياً.

جاء هذا التقرير ليثني على ما استنتجه تقرير معهد "تشتام هاوس" البريطاني للشؤون الدولية الصادر في نهاية العام الماضي، والذي أوضح أن استهلاك السعودية من النفط يعادل 95% من استهلاك دول الشرق الأوسط مجتمعةً و86% من استهلاك القارة الأفريقية و46% من استهلاك أمريكا الجنوبية. وعزا التقريران سبب ارتفاع استهلاك النفط بالمملكة إلى الاستنزاف المستمر والمتصاعد للذهب الأسود في إنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه المالحة، التي استحوذت على 25% من إنتاج النفط السعودي في عام 2011 ويتوقع لها أن تفوق 55% بعد 10 سنوات، مما قد يؤدي إلى لجوء المملكة لاستيراد النفط في عام 2030!

من المتعارف عليه أن الأحمال الكهربائية القصوى المُسجلة في المملكة في عام 2011 بلغت 48 ألف ميجاوات، ليصل استهلاك الكهرباء في فصل الصيف الحالي إلى ما يعادل استهلاك 12 دولة عربية. الشركة السعودية للكهرباء أعلنت مؤخراً أن الطلب على الكهرباء في المملكة وصل إلى 50 ألف ميجاوات هذا العام مسجلاً أحمالاً كهربائية قياسية وبنسبة زيادة فاقت 8.7%. وبالرغم من ذلك فإن الاحتياطي المناسب للمنظومة الكهربائية بالمملكة ما زال منخفضاً خلال ساعات الذروة والذي يفترض أن يكون 10%. كما أن مشاريع توليد الطاقة الكهربائية الجاري تنفيذها حالياً ستضيف 15 ألف ميجاوات لتدخل الخدمة تباعاً خلال الأعوام القادمة لمقابلة النمو المتوقع في الاستهلاك المحلي.

كما من المتعارف عليه أن استهلاك الفرد من الكهرباء في المملكة يفوق استهلاك مثيله في أوروبا وأمريكا، حيث يذهب معدل الاستهلاك الأوروبي والأمريكي بنسبة 78% الى الإنتاج الصناعي كطاقة منتجة، بينما يذهب 80% من استهلاك الفرد في المملكة إلى تكييف المباني، وذلك لعدم وجود نظام محكم للعزل الحراري، الذي قد يوفر 40% من استهلاك الكهرباء، إلى جانب انخفاض كفاءة أجهزة التكييف بحدود 50% من كفاءة مثيلاتها في الدول المتقدمة والنامية، والتي بالإمكان تحسينها لتوفير 30% من الطاقة المستهلكة.

ولا يغيب عن معدي التقريرين أن نسبة النفط المستهلَك في العالم تتفاوت طبقاً لنمط الاستهلاك، حيث تستهلك أمريكا 25% من مجمل الإنتاج العالمي وتستورد 75% من احتياجاتها النفطية البالغة 21 مليون برميل يومياً، تليها أوروبا بنسبة 22% واليابان 7%، والصين 6.6%، وروسيا 3.5%، بينما تتفاوت معدلات الاستهلاك طبقاً لنسبة النمو الاقتصادي في الدول، التي ارتفعت خلال العقد الماضي بنسبة 109% في الصين و78% في كوريا الجنوبية و68% في الهند و64% في إندونيسيا.

الإحصائيات الدقيقة التي غابت عن التقريرين تؤكد أن مخزون النفط العالمي يتواجد بنسبة 80% في الشرق الأوسط، 63% منه في المملكة والإمارات والعراق والكويت وإيران، وأن احتياج العالم للنفط خلال عام 2020 سيرتفع إلى 100 مليون برميل في اليوم مقابل 60 مليون برميل من الإنتاج الفعلي، ليواصل الاستهلاك العالمي في الارتفاع خلال عام 2030 إلى 115 مليون برميل يومياً بينما سيواصل الإنتاج في الانخفاض إلى 44 مليون برميل يومياً، مما سيؤدي حتماً لارتفاع أسعار النفط مستقبلاً.

والإحصائيات الموثقة التي لم يلتفت إليها التقريران تؤكد أن السعودية ما زالت تتربع عرش المخزون العالمي من النفط بمقدار 565 مليار برميل، وتأتي كندا في المرتبة الثانية بحدود 179 مليار برميل ثم إيران 136 والكويت 115 والإمارات 98 وفنزويلا 80 وروسيا 60 مليار برميل. وأنه في الوقت الذي انخفض استهلاك النفط خلال العام الماضي في الدول الغنية مثل أمريكا بنسبة 2% والاتحاد الأوروبي بنسبة 3%، ازداد الاستهلاك في الدول النامية مثل الصين بنسبة 4% والهند بنسبة 6%، ومن المتوقع ازدياد الطلب على النفط في كل من الصين والهند بشكل كبير ليصل إلى 47% من نسبة زيادة الطلب في العالم حتى عام 2030. أما في المملكة فلقد ارتفعت نسب زيادة الاستهلاك 7% وفي الإمارات بنسبة 8%، وفي قطر بنسبة 22%، وهي أعلى نسب زيادة في الاستهلاك في العالم.

وإذ أخفق التقريران في الإشادة بدور النفط السعودي كأفضل مصدر للطاقة في العالم وأكثر منابعها أمناً لفترات طويلة تفوق توقعات التقريرين، إلا أنه يقع على عاتق وزارات المالية والبترول والاقتصاد والتخطيط البدء عاجلاً، بالتعاون مع مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، في سرعة استبدال النفط المستخدم محلياً بالطاقة الذرية والشمسية لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه. كما على وزارات الشؤون البلدية والإسكان وهيئة المواصفات والمقاييس فرض أحكام كود البناء للعزل الحراري ورفع مستوى كفاءة أجهزة التكييف من خلال تطبيق المواصفات العالمية عليها، حتى يتسنى لنا تعظيم الاستفادة من تصدير النفط مستقبلاً وتصنيع مشتقاته محلياً.