بين العقلانية التي تطالب بها النخب المثقفة، وقد اتهموا الذين يقومون بالمظاهرات والاحتجاجات بأنهم عاطفيون، وبين الأخيرين الذين ردّوا ببرود هذه النخب وعدم الغيرة لجناب سيّد الخلق صلى الله عليه وسلم؛ تلوب الأمة في أتون فتنة تتصاعد وتكبر ككرة ثلج، نسأل الله أن ترتدّ سلباً على من أيقظها.
عاتبني أحدهم بقوله: "حسبناك عاقلاً متزناً، أين ثقافتك وأنت تساير العامة في الهيجان؟". أجبته: "لا بارك الله في ثقافة تقعد بي عن نصرة سيد ولد آدم، إن لم ننتفض لهذا الحبيب الذي نقدّمه على أنفسنا وأهلينا وأولادنا، فلا خير في هذه الثقافة التعسة".
بالتأكيد، نحتاج لهذه العاطفة التي تتفجّر منا حبّاً في النبي الأعظم؛ أن تحاط بالعقل والحكمة، وألاّ تجلب آثاراً أكبر من الجريمة التي اقترفها بعض أقباط المهجر في الولايات المتحدة الأميركية. بيد أن السكوت والبرود وعدم المبالاة أيضاً؛ هي لعمرو الله نكسة وخذلان وقلة إيمان، فهذا محمد، صلى الله عليه وسلم، والقوم هناك، بدأوا برسومات مسيئة وانتهوا بتصويره في مقاطع غاية في السوء والتشويه، ولا ندري كيف ستتوقف. إذ أعلنت هيلاري كلينتون أنها تدين تلك الأفعال، ولكن حكومة الولايات المتحدة لا تستطيع إيقاف الفيلم، بسبب قوانين حماية حرية التعبير لديهم.
المتخصصون في القوانين الأميركية والغربية عموماً، يعرفون تماماً أن تلك الحكومات عاجزة عن اتخاذ عقوبات، ولكن لو أرادت لفعلت، ففي حربها ضد الإرهاب، انتهكت حكومة الولايات المتحدة وداست على بنود كثيرة من قوانينهم، وفي حربها في العراق وأفغانستان، فعلت أسوأ مما تفعله دول العالم الثالث، وليست الإشكالية معها هنا، الإشكالية الكبرى أننا قمنا ورعينا حوار الثقافات والأديان وأتينا لهم في عقر دارهم، بكل ممثلي أديان وثقافات العالم، وطلبنا إقرار قانون بتجريم ازدراء الأديان ورموزها، ورفض أولئك القوم بحجة حماية حرية التعبير، وهم أنفسهم الذين أصدروا قوانين معاداة السامية أو الصهيونية، بحيث يخضع للمحاكمة كل من يشكك، ليس في المحرقة النازية فحسب، بل في عدد الذين احترقوا، ويتصدّى له الإعلام، ويشوّه تاريخه، ويجرده من كل إنجازاته، مهما كان اسمه، ويحبس في نهاية المطاف، أوتذكرون روجيه جارودي يرحمه الله!!
أيعقل بالله، أن تكون مراعاة بضعة ملايين من اليهود، أهمّ عند الغرب من مشاعر مليار ونصف المليار مسلم، يقذف ويشوّه أهمّ رمز لديهم، وهم الذين يقدمونه على أرواحهم، ولا يكتمل إيمانهم إلا بحبه - فداه أبي وأمي - ويحمي القانون الأجوف أولئك المجدفين ضده، ولا نملك إزاءهم شيئاً، وهم الذين يشهرون لافتة حرية التعبير في وجوهنا إن أردنا مقاضاتهم.
أوتذكرون سؤالهم الغبي: لماذا تكرهوننا؟ الجواب هو بسبب إجحافكم وعدم عدالتكم، وما تفعلونه أنتم إزاءنا ورموزنا ومقدساتنا، ولا تدركون أنكم بحمايتكم لأولئك المجدفين؛ جعلتم من القاعدة التي نقف جميعاً ضدها، ملاذاً لكثير من الشباب المتحمّس الذي هتف الجمعة الفارطة في عمّان، بجوار السفارة الأميركية: "اسمع اسمع يا أوباما.. كلنا اليوم مع أسامة"، وكتبت مثل هذه العبارات على جدار السفارة الأميركية بالكويت.
أنتم يا هؤلاء تبعثونهم من جديد، وتخندقون بهذا النفاق المعيب الذي تقومون به؛ كثيراً من الشباب المعتدل، مع أتباع القاعدة، وإن لم تنتبهوا، فوالله ليخسر الجميع بهذا الاستفزاز. لا نريد سوى إصدار تشريعات وقوانين تحمي رموزنا الدينية، ومساواتنا باليهود في موضوع معاداة السامية والصهيونية، ليقع تحت طائلة القانون كل من يسيء لمقدّس لدينا، وليس هذا بالطلب الكبير المعجز، في مقابل ما ستخسرونه بهذا الاجحاف تجاهنا.
بعيداً عن الغرب، أودّ أن أطرح حلولاً إيجابية وبناءة موازاة مع ما يقوم به المسلمون الذين تأذوا من ذلك الفيلم المسيء، فمن الضروري أن ينبري قانونيون ويدعمهم التجار ورجال الأعمال وحتى الحكومات، بمقاضاة أولئك المجدفين وملاحقتهم في المحاكم العالمية، لإنهاكهم وإيصال رسالة لكل من تسوّل له نفسه مستقبلاً؛ بأنه سيلاحق قضائياً وسيدخل دهاليز متشعبة مضنية، وحتى لو انتصر له القانون الأجوف، فإنّ مجرد إشغاله في أقبية المحاكم كفيلٌ بردع غيره.
والحقيقة أننا أوتينا بعدم معرفة كثير من شعوب الغرب، بالذي يمثله لنا محمد، صلى الله عليه وسلم، إذ يظنونه في مقام المفكر أو المصلح الاجتماعي أو الفيلسوف، ولا يعرفون أننا نقدمه على أرواحنا وأولادنا، وأنه لا يكتمل إيماننا إلا بحبه والدفاع عنه، وأفضل تصحيح له برأيي، أننا نعالجه بإنتاج فيلم عالمي ضخم، على أحدث ما توصلت له (هوليوود) من فن واحترافية في إنتاج أفلام الدراما، ترصد له ميزانية لا تقل عن 100 مليون دولار، ويجلب له أشهر المحترفين في هذا المجال من عقر دار القوم، فهم أدرى بثقافتهم، ويخضع النصّ لإشراف علماء شرعيين ثقات، وبالتأكيد لن نجسّده ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولكن سيقوم الفنيون ومعالجو النص بتسييره وفق ضوابط شرعية، تراعي أنه فيلم موجّه للعقل الغربي الذي لا يعرف عن سيّد البشر شيئاً، وتراعي ثقافته بأقصى حدّ ممكن مما تسمح به روح الشريعة لدينا، صدقوني أننا بذلك سنخترق القوم في عقر دارهم، وسيكون تعريفاً مدوّياً وعريضاً بنبي الإسلام، وأية أفلام مسيئة بعد ذلك ستسقط أمام فيلم عملاق مرصود له تلك الميزانية الضخمة، ولن يرقى أبداً لأن ينافسه.
فيلم ضخم عن سيّد ولد آدم كفيلٌ بتصحيح كثير من الصورة الشائهة، وفرملة التجديف، ولنداوها بالتي كانت هي الداء.