تستحق برامج التلفزيون السعودي الحوارية بقنواته المختلفة جائزة "نوفل" للثرثرة باعتبارها أضخم المناجم الكونية المنتجة لهذا العنصر الذي بات نادرا، لأن من يشاهد نوعية الضيوف واختلاف تخصصاتهم وكمية النصائح والإرشادات المتدفقة التي يغرقون بها مشاهديهم – هذا إن وجدوا ـ يستغرب استمرارية نوعية ما زالت ترى التلفزيون مجرد مدفعية نصائح هائلة، تقصف بها رؤوس الناس.

جيش من متخصصي السلوك والتنمية البشرية وتجارة تطوير القوى الذاتية الرائجة هذه الأيام، أطباء تركوا عياداتهم ومرضاهم، دكتور بين برنامج وآخر، خبراء من كل نوع: دعاة، محللين، إعلاميين، أصبحوا يحركون ماكينة كلام هائلة لا تتوقف عن البث، ولكن لا أحد يشاهدها، مواد ناشفة، مقابلات ميتة، أسئلة باردة، ضيوفا مجانيين، أستوديوهات مملة حتى في برامج الأطفال والرياضة التي من المفترض أن تكون حيوية وفعالة.

صار الظهور مجانيا لكل من يريد التحدث عما يشاء. أعرف أن التلفزيونات الحكومية عبر العالم تواجه أزمة وجود في ظل منافسة شرسة من التلفزيونات الخاصة، لكن هذا لا يبرر ما يحدث، فقليل من الأفكار الجاذبة قادرة على إعادة الناس إلى شاشتهم وبث الحياة فيها، مع نزعة محلية لا بأس بها كما تفعل قنوات خليجية ومصرية ولبنانية تركز على الجانب المحلي الحياتي والخدماتي مع فتح المجال للجمهور والناس للتعبير عن آرائهم، فالسعوديون أكثر من يتواصلون مع القنوات والبرامج والمحطات الإذاعية في مختلف أنحاء الوطن العربي، فلماذا لا يفعلون ذلك مع تلفزيونهم؟

الإجابة هي أن الناس ملت دور المستقبل الذي تمارسه برامج التلفزيون المحلية، وتريد أن تكون المرسل الذي يبث شأنها وظروفها وتفاصيل ما يواجهها يوميا، غير معنية بما يحدث في العالم، هذا جانب؛ أما الآخر فهو الغياب الواضح للترفيه والمتعة في خارطة البرامج المحلية.. الترفيه الذي يجذب الرعاة والممولين والمعلنين، فمن غير ذلك صعب جدا على أي تلفزيون رسمي أن ينافس أو يكون له حضور، فالنصائح والإرشادات موجودة وبكثرة يستطيع أي أحد إهداءك إياها دون الحاجة لشاشة.