من منا لم يصب بالغم والضيق والغضب الشديد نتيجة استمرار التطاول على خير البرية والأنام نبينا وحبيبنا وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام؟! ومن منا لم يتساءل: إلى متى سيستمر هذا الوضع المخزي.. دون رادع يكون عبرة لمن يعتبر؟! ثم كيف لي، ولك، ولنا جميعا؛ استقبال كلام "جاي كارني" المتحدث باسم البيت الأبيض الذي جاء فيه: "إن الإدارة الأميركية ليست لديها سيطرة على المبادئ التي تحكم حرية التعبير، تمكنها من وقف فيلم اعتبر مسيئا للإسلام".. ولم يكتف بذلك بل أضاف قائلا: "نحن ندرك أنه من الصعب على بعض الناس في أنحاء العالم أن يفهموا لماذا لا تقوم الولايات المتحدة بمنع أفلام كهذه.." ثم زاد الطين بله بقوله إن المنع "أمر مستحيل".. ويبدو أنه أراد إثارة المزيد من الاستفزاز فقال: "بلادنا لديها تقليد طويل من حرية التعبير المحمي بالقانون.. وحكومتنا لا يمكن ولا تستطيع أن تمنع المواطنين من التعبير عن آرائهم"! له ولحكومته أقول: عليكم تعديل مفهومكم للحرية.
وهنا علينا أن نتوقف ونتساءل: هل إذا عمد أحدنا لإنتاج فيلم يكون موضوعه الإنكار أو التقليل من ضخامة الهولوكوست سيمر الأمر بهذا الشكل؟! وهل سيكتفي المتحدث باسم البيت الأبيض بقوله إن حكومته لا تملك إيقاف الفيلم أو منع صاحبه من حرية التعبير؟! أم ستحرك دوائرها السياسية على اختلافها لإيقافه ومنعه بل وإتلافه عن بكرة أبيه؟! بل لا أستبعد أنها ستحرك كافة دوائرها السياسية لمحاسبة القائمين عليه من الألف إلى الياء، ودون استثناء، ثم ما الضرر من إنكاري للهولوكوست، أو التقليل من عدد ضحاياها المزعومة؟ فالكثير من العلماء أنكرها وبحجج مقبولة، وآخرون قللوا من عدد ضحاياها وهم أيضا لهم مبرراتهم القوية؟! فهذه المجزرة إذا حدثت، كما يزعم بعضهم، لن تكون أعظم الجرائم الإنسانية على الإطلاق، ففلسطين وما يحدث فيها منذ أكثر من قرن من الزمان تصرخ وتئن، كما أن كارثة الهجوم النووي الأميركي على اليابان - هيروشيما وناجازاكي - الموثقة بالدلائل تفوق كل ما قيل عن الهولوكوست، ومع ذلك لم نجد الجاني الأميركي يبكي على ما جنته يداه، وأجزم أنه لن يفعل!
أنا هنا لا أتحدث عن هذه القضية، فالغرض من طرحها هو إفحام سياسة لا ترى إلا بعين عوراء، وازدواجيتها أصبحت السمة الأساسية المعروفة عنها، سياسة خالية من القيم الإنسانية، فعينها التي تدعي حمايتها للحريات لا تملكان التحرك إلا باتجاه واحد، فعندما توقفت عند الفيلم الذي قصد به الإساءة لنبي الرحمة عليه الصلاة والسلام قالت إن حرية التعبير محمية بالقانون، وإن المواطن الأميركي يملك الحق، كل الحق، في التعبير عن آرائه، ولذا فهي عاجزة تماما عن منع فيلم جرح مشاعر أكثر من مليار مسلم، ولكن هذا القانون سيتوقف مفعوله بل يصاب بالشلل لو عمد مسلم أو مسيحي أو حتى يهودي لإنكار الهولوكوست، عندئذ ستقوم الحكومة الأميركية ولا تقعد، فكيف لو تم إخراج فيلم يسخر من فكرة الهولوكوست أو ينكرها؟!
نحن إن كنا نرفض التعرض لأمن وسلامة المستأمنين بيننا ولأي تصرف يمس الأمن في الداخل أو في الخارج، إلا أننا نطالب بألا تكتفي حكومات العالم الإسلامي والمنصفون من قادة العالم بالشجب والاستنكار، فالأمر عظيم وخطير يمس ديننا ومعتقداتنا، ومن هنا أطالبها بتحرك سريع وعلى أعلى مستوى لإصدار قانون أممي يمنع المساس برسول الرحمة محمد عليه الصلاة والسلام وبأي نبي من أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، ولا أدري ما الذي يمكن أن يصدر من جامعة الدول العربية والمنظمات والهيئات الدولية واليونسكو من حراك إيجابي في هذا الموضوع؟ فأنا إلى لحظة كتابة هذه السطور لم أسمع منهم أي موقف أو تحرك بهذا الاتجاه، ولا أدري إلى متى سيستمر هذا الوضع؟!
نحن كمؤمنين نشهد أن "لا إله إلا الله محمد رسول الله" لا نملك إلا إجلال كافة الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ونغضب إذا أسيء لأحدهم، أكثر من غضب المؤمنين به، بل نعد من يتعرض له من المسلمين بحكم المرتد عن الدين الإسلامي، فكيف يتوقع منا العالم حيال سفهاء يتطاولون على نبينا وحبيبنا ورسولنا محمد عليه الصلاة والسلام؟ هؤلاء سفهاء تعرضوا لرسولنا الكريم بهذا الشكل المقزز، فمخرج الفيلم إسرائيلي الجنسية جمع تمويله
"5 ملايين دولار" من 100 يهودي، ووقف خلفه مصري قبطي منزوع الجنسية كاره لوطنه وكاره لأهله، وهؤلاء وبحكم القانون الأميركي يتحركون بحرية ودون ملاحقة قانونية.
إنه محمد نبي الله عليه الصلاة والسلام، الذي أكد عالم الرياضيات والعلوم الأميركي (ميشيل هارت) في كتابه (أعظم مئة شخصية مؤثرة في التاريخ) أنه وصل إلى قناعة تامة أن من يستحق أن يعد أعظم رجل في تاريخ البشرية هو رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام.. الذي قال عنه (جورج برناردشو) الأديب الإنجليزي المعروف: "إنني أعتقد أن رجلاً كمحمد لو تسلم زمام الحكم المطلق في العالم أجمع، لتم له النجاح في حكمه، ولقاده إلى الخير، ولحل مشكلاته على وجه يكفل للعالم السلام والسعادة المنشودة".. أما الشاعر الفرنسي (لامارتين) فلم يملك أمام سيرته العطرة إلا أن يقول: "أي رجل أدرك من العظمة الإنسانية مثل ما أدرك، وأي إنسان بلغ من مراتب الكمال مثلما بلغ".
وفي الختام لا بد من شكر كل الأقباط والنصارى المنصفين الذين نددوا بهذا الفيلم، فلموقفهم هذا أكبر الأثر في نفوس كل المسلمين الذين تابعوا تحركاتهم داخل مصر وخارجها، والله المستعان.