سماجة فنية سخيفة هي ليست بالجديدة تأتي في سياق الاستفزازات المتواصلة من اليمين المتطرف ضد المسلمين، عبر النيل من شخصية نبينا العظيم في فيلم أقل ما يوصف به "التفاهة" ولكن غوغائية الرد المعتادة من الشارع العربي والإسلامي هي إساءة في حد ذاتها، فكانت النتيجة المأساوية مقتل السفير الأميركي وثلاثة موظفين في مدينة بنغازي الليبية.
السؤال أطرحه هنا بذات الطريقة الفنية ولكن هذه المرة برسمة كاريكاتورية، ولأني لا أجيد فن الرسم والتعامل مع الريشة فمن باب التخيل فقط - مجرد خيال - معتمداً على مقولة الرسام العالمي (بيكاسو) "بأن الفن هو كذبة تجعلنا ندرك الحقيقة".. سأنطلق في هذه اللوحة الخيالية المتطرفة والتي هي بحاجة إلى لمسات خيالية من القارئ لنتخيل: "بأن دبابة ضخمة تحمل تشكيلات متنوعة من أسلحة تكنولوجية متطورة يجلس داخل مقصورتها النبي عيسى بن مريم (عليه السلام) ويحمل فوق كتفه الرمز المسيحي (الصليب) وتجر دبابته من خلفها عربة محملة بالثروات تسيران في البلاد الشرق أوسطية!!" انتهت
نعم .. إنها لوحة متطرفة فيها إساءة كبيرة للنبي المسيح ولكن السؤال: ماذا ستكون ردة فعل ذلك المجتمع المسيحي؟ وكيف سيكون خطابه؟ إنني أعتقد بأنه ستحدث ردود أفعال باردة وساخرة، سيبتسم المثقف المسيحي وينطلق للنقد الصارم في الداخل المسيحي في محاولة للتقويم وللتفحص من ذلك الإيمان ومدى ثباته. ولكن لماذا يحدث هذا الضجيج المبالغ به في مجتمعاتنا؟
إنني أتصور أنه بمقدار ما يكون المجتمع واعيا ومتعقلاً تكون ردود أفعاله سوية وهادئة.. بالطبع من حقنا كمسلمين أن نفتخر بنبينا ونُدافع عن سيرته وتعاليمه، ولكن علينا معرفة أن الإساءات إلى نبينا الكريم لها امتداد تاريخي، وهؤلاء في واقعهم إنما يسيئون إلى إنسانيتهم ويهدمون قيم التسامح وحقوق الإنسان بعملهم الأهوج. وقد تعرض رسولنا العظيم لإساءات أبلغ من قومه وعشيرته فقال له ربه: (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون)، ثم طمأنه بقوله تعالى: (ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعاً هو السميع العليم).
عودة إلى اللوحة ما معنى هذه الأسلحة التكنولوجية؟ إن القضية تتعلق بصراعات التمدن والحضارة والاستعمار، والصراعات الدينية إنما أدخلت في اللوحة كتعبير بأن الشعوب والدول هي التي تصنع صور رموزها على شاكلتها، وهذا بالضبط ما استوحاه كاتب الفيلم.. نعم هناك تنام للتطرف اليميني في الغرب لكن الحل لا يكمن في رفع الشعارات والمظاهرات وإنما في تعديل واقعنا على كافة الأصعدة ومعالجة ما نعيشه ـ كمسلمين ـ من نزاعات داخلية وإرهاب! فنحن ما زلنا الأكثر ضجيجا والأعلى صراخا وانفعالاً، كيف يمكن إقناع المواطن الغربي بعظم هذا الدين وهو يرى التطرف والإرهاب؟ هؤلاء لا يمكن إقناعهم بما نقوله ونمجده عن مبادئ ديننا العظيم، بل بما تترجمه أقوالنا من أفعال على أرض الواقع، فنصرة رسولنا لا تتأتى عبر محاولات التجميل الخارجية، فالغرب لا يجهل الإسلام، فلديه أكبر المراكز البحثية، وما أكثر الكتب والدوريات والبرامج عن الإسلام، صورة الإسلام في الغرب تصنعه صورته في الداخل الإسلامي فالاهتمام بالصورة على حساب الأصل لن يُجدي نفعاً!
لا يمكن بأي حال إقناع الغربي بأن من فجر نفسه لا يمثل الإسلام، وهو يرى تبريراً له عبر بعض فضائياتنا ومنابرنا الدعوية. التعبير عن الرفض والاحتجاج مطلوبان بفعاليات حضارية، وإننا نهيب بكافة المؤسسات الدينية ومؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والتقارب بين الأديان إلى ضرورة اتخاذ موقف رافض للعنف والإساءة للرموز المقدسة ومطالبة القائمين على الفيلم بتقديم اعتذار لملايين المسلمين.