وأنت تتابع غثاء السيل المحتج على الفيلم المسيء لنبي العدل والرحمة ـ فداه كل من خان رسالته وشوَّه تعاليمها ـ لا بد أن تتساءل مع "أحمد الشقيري": ماذا لو كان بيننا؟! هل كان سيتخذ إجراءً مع منتجي الفيلم ـ ناهيك عن الأبرياء ـ أكثر مما اتخذه مع منتج فيلم "الإفك"، زعيم المنافقين "عبدالله بن أُبيّ بن سلول"؟
ثم تدعو بالشفاء العاجل للمفسِّر المحبوب/ "صالح المغامسي" ليجيبك: ماذا قال وسيقول المسيئون المحدثون أكثر مما سجله القرآن العظيم نفسه: شاعر؟ مجنون؟ ساحر؟ مزوِّر للتوراة والإنجيل؟
وتابع هذه الحشود تبحث عن جنازة تشبع فيها لطماً، وتأمَّل اسم السورة الكريمة وأنت تتلو: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ* وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) أيعتقد هؤلاء أنهم أشد غيرة من الله ورسوله؟ أما "المغامسي" فسيجهش ـ كعادته ـ بالبكاء المرير إذ يتلو: (وقال الرسول ياربِّ إنَّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً)؛ القرآن الذي نزل مبادراً بالتحدي السامي لا مضطراً للدفاع الغوغائي، وشدد في كثيرٍ من آياته على الفصل الصارم بين شخوص الأنبياء ـ عليهم صلوات الله وتسليمه ـ وبين رسالة التوحيد والإيمان؛ فقال لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّا كفيناك المستهزئين) ليتفرّغ كُلِّيَّةً لأداء أمانته العظيمة، ولو وعينا ذلك لما انحدرنا إلى هذا الأسلوب العاجز المهين في التعبير عن أنفسنا باسم الدين والذبِّ عن عرض نبيه: أمةٌ تغضب لفيلمٍ حقير، وهي تحرِّم ـ في كثيرٍ من أقطارها ـ الفن بكل أشكاله! إذا كان الفن قوةً بهذه الخطورة فأين هي من شعارها الإخواني: (وأَعِدُّوا)؟ أمةٌ تزعم أنها تمارس حرية التعبير وهي تعيش ـ في كثيرٍ من أقطارها ـ على القمع وتكميم الأفواه ومحاكم التفتيش! أمةٌ "تهايط" بقدرتها على تخصيب اليورانيوم، و"هوليوود" تشهد أن فيلماً كـ"سليمان الملك" أخطر من ألف قنبلةٍ نووية!
أمةٌ ضحكت من جهلها الأمم، كما صدق فيها المتنبي وهو كذوب!